من الداخل.. نكشف أسرار المنصات الإعلامية للجماعات الإرهابية

تتعرض غالبية المنصات الإرهابية منذ ضربات التحالف الدولي للإرهاب في سوريا والعراق للحجب والحظر والاختراق، مما دفع الكثير من العناصر الإرهابية ومجموعاتها للهجرة السريعة من المنصات التقليدية المتعارف عليها إلى منصات جديدة اخترعها هؤلاء لمواجهة هذا الاختراق وهذا التحول الإلكتروني الكبير.
ولكن للمنصات الإلكترونية في عالم الفضاء الافتراضي قصة كبيرة
مع الإرهاب.
قصة الإعلام الجهادي وكيف بدأ ؟
القصة كانت من أفغانستان عام 1988، فبعد أن ظهرت التجمعات
الخاصة بالحركات الجهادية تحت راية واحدة وكانت تأخذ التوجيهات من قيادات متمرسة
في الإرهاب فجأة انتقلت القيادة إلي بعض من مجهولي الحال أو مجهولي السيرة من
الذين ليس لهم تاريخ في صناعة هذه التنظيمات، وخاصة بعد تشرد كثير منهم في الأرض
نتيجة الضربات المتتالية في أفغانستان والعراق حتي عام 2009.
وقد بدأت ثمرات دراسات مركز الأبحاث الغربية تؤتي ثمارها بعد سنوات من المتابعة والتحليل لظاهرة التيار الجهادي حيث تفرغت مؤسسة "راند" الأمريكية منذ سنوات لمتابعة التيار الجهادي ودراسة عقلية " شباب المنتديات الجهادية " الذين تربوا على شعارات هذه التنظيمات دون ممارسة فعلية للأنشطة الإرهابية!.
وكل من قرأ دراسات مؤسسة راند المسربة سيجد فيها قدرة كبيرة على
فهم هؤلاء لعقلية ونفسية "شباب المنتديات الجهادية المتحمسون للنفير"
على حد وصفهم لنشاطهم الإرهابي.
وبناء على هذا الفهم الدقيق لعقلية هؤلاء الشباب استطاعت
المخابرات الغربية أن تصنع نموذجا جاذبا لهؤلاء الشباب المتحمس للنفير للجهاد ومن
هنا نستطيع القول أن الاختراق بدأ يدب في عقلية هؤلاء من وراء الشاشات وشبكات
التواصل الاجتماعي!.
وقبل دراسة هذا النموذج الجذاب لمجموعات الجهاد الشابة نبدأ
بالعناصر الإرهابية الذين نفروا للقتال أثناء سيطرة طالبان على أفغانستان قبل 11
سبتمبر.
فكل الجهاديين الذين نفروا إلى أفغانستان قبل أحداث سبتمبر
تمكنوا من الالتقاء بقادة الإرهابيين وقيادتهم كأسامة بن لادن وأيمن الظوهري وأبو
عطية وأبي يحيى الليبي، مما جعل معظم هذا الجيل من هؤلاء الشباب يتشربون الفكر
الجهادي من هؤلاء القادة ويتعلمون الفكر والممارسة على يد شيوخ التيار الإرهاب بشكل مباشر.
أحداث سبتمبر وبداية الإعلام الإرهابي
وبعد أحداث 11 سبتمبر ونتيجة الملاحقة الأمنية، أعلن
البنتاجون الأمريكي أن الأمن القومي الأمريكي حدوده الفاصلة هي أي مكان في العالم
ومن ثم نستطيع ملاحقة أو مطاردة أي من العناصر الإرهابية في أي مكان أو أي دولة في
العالم، مما اضطر هؤلاء القادة للتخفي وعدم الظهور بشكل علني للجميع حتى لبعض
قواعدهم التنظيمية واكتفوا بما يسمح به أمنهم فقط في مناطق الحدود الأفغانية أو
بعض الدول التي تقبلهم على أراضيها.
وفي نفس الوقت تم التضييق على الراغبين في السفر للالتحاق
بهؤلاء، فكان الشباب المتحمس للجهاد لا يجد طريقا إلى الجهاد البدني فلجأ إلى ما يصطلح عليه «الجهاد
الإكتروني»، ومن هنا جاءت فكرة المنتديات الجهادية والشبكات المغلقة.
كانت الحاجة ملحة لإيجاد "منتديات جهادية" تجمع أبناء
التيار ليتعرفوا على رؤية المجاهدين في الأحداث السياسية المعاصرة والموقف الصحيح
منها.
شبكة الفجر
كان أول منتدى يجمع أبناء التيار الجهادي في ذلك الوقت
"شبكة الفجر" وقد حقق انتشارا واسعا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر،
وسرعان ما تم اختراق "شبكة الفجر"، وصنع هؤلاء الإرهابيون بديلا في حالة
اختراقه وهو" منتدى أنا المسلم " و" الساحات العربية " ولكن
سيطرة الجهاديين في ذلك الوقت كانت في " أنا المسلم" و"شبكة الفجر".
لم تستمر " شبكة الفجر " كثيرا وبدأت تظهر منتديات
جهادية يشرف عليها الإرهابيين مثل منتدى "الصافنات"
ومنتدى "الأنصار".
ومع انتشار فكرة استغلال الشبكات العنكبوتية والإنترنت في نشر
الفكر الإرهابي ونجاحها ظهرت منتديات تتعاطف مع هؤلاء وبدأت تنشر إصداراتهم وإن لم
يكن أصحابها يتبنون الفكر الجهادي بشكل كامل كـ منتدي " القلعة "
و"الإصلاح والتجديد"، لم تكن مهمة هذه المنتديات الجهادية سهلة في ذلك
الوقت؛ بل تعرض المشرفون للمطاردة وتعرضت المنتديات للحجب والإغلاق والتدمير من
قبل أجهزة الأمن والمخابرات العالمية.
إرهابي 7 ومحب الشيخين في قبضة الأمن
كان أول نجاح تحققه المخابرات الغربية في فرنسا ففي 2002م تم
القبض على " إرهابي 7 " وهو أخطر العناصر الإرهابية الإلكترونية في ذلك
الوقت ثم قبض على آخرين "كمحب الشيخين" وتعرض منتدى " الأنصار
" للإغلاق والتدمير أكثر من مرة وتعرض مشرفون للاعتقال والمطاردة فاضطر أنصار
الإرهابيين للبحث عن منتديات أخرى آمنة.
حطت رحال هؤلاء بعد ذلك في "منتدي الحسبة" وهو منتدى
دعوي له خلفية سلفية تأثر مشرفة العام بالعناصر الجهادية السلفية ففتح الباب لهم
لكي يبثوا إصداراتهم وأفكارهم من خلاله.
استطاعت أجهزة الأمن وخاصة في مصر والسعودية أن تسيطر على بعض
هذه المنتديات وتمت السيطرة على منتدى مثل "أنا المسلم" في مصر وفي
السعودية على "الساحات العربية".
فتم القبض على الكثير من الكتاب البارزين في منتديات "أنا
المسلم "و"الساحات"وخاصة ممن الذين كانوا يديرونه في السعودية
وبدأت رائحة الاختراق الغربي لهذه المنتديات تتكشف رويدا رويدا، وشيئا فشيئا حتى
هجرها الجهاديون وتركت في قبضة الأجهزة الأمنية.
أمام هذه المستجدات الخطيرة اجتمعت مجموعة من العناصر الإرهابية
المدربة على التعامل الإلكتروني وخاصة مع بدء الضربات في العراق بعد خروج
التنظيمات والتجمعات الجهادية من أفغانستان وضرب طالبان وأنشأوا"مركز الفجر
للإعلام" وأنشأوا منتديات خاصة بهم، فأنشأوا "منتدى الإخلاص"
و"منتدى الفردوس " وبعد أن وقع القتال بين "دولة العراق
الإسلامية"و"الجيش الإسلامي" انضم "منتدى البراق " لـ
"مركز الفجر"أصبحت هناك ثلاث منتديات رسمية تابعة للجهاديين هي
"الفجر" و"الإخلاص" و" الفردوس " أما
و"البراق" و"شبكة الحسبة" فهي متعاونة مع "الفجر"
واستمر العمل فيها لسنوات.
وفي تلك الأثناء ظهر منتدى زكاه قيادي السلفية الجهادية لإي
الأردن أبي محمد المقدسي لكنه غير تابع لـ "الفجر"وهو "منتدى أنصار
المجاهدين" والقائمون عليه مجموعة من الجهاديين التابعين لسلفية المقدسي
فكريا.
بعد إنشاء هذه المنتديات الجهادية الموثوقة استطاع أنصار
الإرهابيين أن يطمئنوا على أمنهم الإكتروني نظرا لكون هذه المنتديات يشرف عليها
هؤلاء.
لم تقف الأجهزة الأمنية مكتوفة الأيدي أمام هذا التطور التقني
لهؤلاء الإرهابيين، بل عملت على اختراق وسائل الإعلام التابعة لهم بعدة أساليب.
ففي هذه الاثناء أنشأت بعض الأجهزة الامنية الألمانية والفرنسية
منتديات جهادية باللغة العربية ونشرت إصدارات هؤلاء الإرهابيين، لتكون صيدا لبقية
العناصر حول العالم وتتبعهم عن طريق أجهزة الكمبيوتر وid، انتشرت هذه المنتديات الجهادية الملغومة والتي تتبع للمخابرات
ولكنها لم تجد إقبالا من أنصار المجاهدين لاكتشافها سريعا لعدم ثقتهم فيها وعدم
تزكية العناصر الإرهابية لها وخاصة وانها لم تكن معتمدة علي تزكية من مركز"
الفجر".
وأمام عزوف هؤلاء عن هذه المنتديات هاجمت الأجهزة جميع
المنتديات الجهادية وأغلقتها في وقت واحد ليضطر هؤلاء لدخول إلى هذه المنتديات
الأمنية لعدم وجود غيرها، وفعلا نجحت هذه الفكرة فقد كان البعض من الشباب يدخل هذه
المنتديات دون اهتمام بأمنه فكتشف على الفور.
الفلوجة والشموخ انتشار فكر التكفير
استمرت الحرب الإلكترونية بين مركز "الفجر" للإعلام
وبين اختراقات الأجهزة الأمنية الغربية على أشدها إلى أن اضطر مركز
"الفجر" أن يوقف جميع منتدياته الرسمية، وبعد هذا الإيقاف حصل فراغ كبير
لدى هؤلاء الجهاديين ولم يكن هناك بديل آمني لجأ إليه هؤلاء سوي المنتديات المفخخة.
فلم يكن هناك ما يمكن الوثوق به إلا منتديان كانت لها بعض الثقة
مثل المنتدى الأول ويسمي "الفلوجة" وقد اكتسب الثقة من خلال قربه من
"دولة العراق الإسلامية" التابعة للقاعدة والتي تحولت لداعش، وقد كان
بعض المشرفين فيه ممن ينتمي للدولة، المنتدى الثاني ( الشموخ ) ولم يلحظ العناصر
الإرهابية على منتدي الشموخ ما يمكن أن يفقدهم الثقة به ولذلك فقد انتقل أنصار
هؤلاء إلى هذين المنتديين.
بعد إغلاق "الفجر" منتدياته الرسمية واعتماد نشر
الإصدارات الجهادية في المنتديين السابقين(الفلوجة والشموخ) مما زاد من ثقة
الأنصار بها.
ومن هنا دخل هؤلاء في مرحلة جديدة وهي أخطر ما في الإعلام
الجهادي وهو ظهور الخلط بين الفكر العناصر العنيفة وتنظيراتهم وبداية ظهور فكر
التكفير حيث سيطر علي هذه المنتديات أفكار أكثر غلوا وتطرف من سابقتها.
وقعت بعض إشكاليات في شبكة الفلوجة جعلت بعض انصار السلفية
الجهادية يعتبرونها نوعا من الاختراق أهمها:
1ـ عدم الاستجابة لبعض
الملاحظات الشرعية التي يقدمها قادة القاعدة ومفكروها.
2ـ ضعف الإجراءات
الأمنية واكتشاف بعض العناصر والقبض عليهم.
3ـ وقوع اختراقات
للموقع تم إخفاؤها عن الجميع من القادة القاعدة.
ومن هنا اضطر مركز "الفجر" أن يوقف التعاون مع منتدى
"الفلوجة" لعدم كفاءته وعدم كونه آمنا فكريا والكترونيا وبعد إيقاف
التعاون تم إغلاق المنتدى.
لم يتبق إلا شبكة "الشموخ" فقط حيث استمر مركز الفجر
للإعلام ينشر فيها ولكن الشموخ لم يسلم من الملاحظات بل تعرضت لاختراق مجموعات
اكثر تشدد من فكر القاعدة !.
واستطاعوا أن يتغلغلوا في شبكة "الشموخ" ويسيطروا على
أهم أجهزتها الإعلامية وهو مؤسستها الإعلامية "المأسدة "!! والتي كانت
تنشر لهم بشكل كبير!
كانت المأسدة تنشر لشيخ التكفريين أبو أحمد المصري وكانت كتبه
ومقالاته تنتشر بطريقة كبيرة جدا! وأنصار الإرهابيين ينهلون عليها!.
وبعد سنوات من نشر هذه الأفكار وتغلغلها في شبكة الشموخ! وبعد
أن تأثر الكثير من الشباب بهذا الفكر وتشربوه وانتبه بعضهم إلى أن هناك أفكارا
تخالف أفكار القاعدة، ولكن بعد انتشارها وهنا حاولت شبكة الشموخ تدارك هذا الخطأ
فأوقفت النشر لأبي أحمد المصري والتحذير من فكره المغالي وتم نشر مقال لأحد شيوخ
السلفية الجهادية يدعى "الرافعي " يكشف خطورة هذه الافكار.
وهنا وقع الإرهابيون في خلافات بينهم بسبب منصات الإعلام
الإلكتروني لهذه الأفكار الجديدة
وبعد هذه الإشكالات في (الشموخ والفلوجة) رأى مركز الفجر أن
يعالج ذلك بإنشاء (شبكة الفداء) وهي أول منتدى للفجر رسميا بعد إغلاق منتدياته.
نشأت هذا المنتديات علي العموم في دوائر خفية وتدعم.
1- الغلو في
الدين.
2- الاستهانة
بدماء المسلمين وتبرير أي عملية إرهابية!
3- إسقاط
هيبة جميع علماء المسلمين ومؤسستها.
وانتشرت في المنتديات الإرهابية مجموعة كبيرة جدا من الشباب
سليطي اللسان على العلماء الذين يختلفون مع الجهاديين أيا كانوا حتي ولو كانوا
معهم في تنظيمات العنف يوما ما حتى اضطر القيادي الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي قبل
مقتله أن يدافع عن بعضهم فعندما انتقد هؤلاء الشباب القيادي القاعدي عطية الله
سياسة الزرقاوي نفسه في العراق وضرب الشيعة والتوسع في قتل المدنيين هاجت
المنتديات عطية الله!.
ونشر الزرقاوي بيانا عنوانه (دعو عطية الله يقول فهو أعلم بما
يقول).
ونشر قيادي القاعدة الكويتي حامد العلي بيانا ينتقد فيه إعلان (
دولة العراق الإسلامية) الاستقلال عن القاعدة فهاجته المنتديات وكفروه!
ولما سُئل عنه أيمن الظواهري أثنى عليه ورفض الهجوم عليه
!
لقد صنعت هؤلاء المخابرات الغربية لكي تستخدمهم مخلب قط تسقط به
منهج الوسطية في الدين وتقول لنا الإسلام دين عنف وإرهاب، وتشربه هؤلاء المتطرفون
في كل انحاء العالم الإسلامي،
واصبحت صفات من يعتنق منهج المنتديات الإرهابية هي
!
1- سب
المشايخ والعلماء، حتي قادتهم بعد ذلك.
2- تبرير أي
عملية إرهابية.
3- يفرحون
بالقتل دون نظر في أي مآلات أو مقاصد شرعية.
كل هذا يفسر لماذا سمحت الإدارة الأمريكية بنشر رسائل لزعيم
القاعدة اسامة بن لادن والتي وجدت عنده في منزله قبل موته لان بها كثير من فضائح
هذه المشكلات التي تعري هؤلاء الإرهابيين وتقضي عليهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه وقد انتبهت له بعض المراكز البحثية
وللأسف الغربية منها أن الحرب على الإرهاب لا تبدأ أبدا بالاباتشي والطائرات
العملاقة ولكن تبدأ بنقض الأفكار وتتبع السياسات الدافعة للتطرف والغلو والإرهاب.