اتجاهات تحولات الإسلام السياسي

مثلت الخبرةُ الأخيرة التي مر بها التيار الاسلامي في المنطقة العربية، بل وفي العالم كافة، نقطةً فارقةً جعلتها الأهم والأخطر في تاريخ الاسلام السياسي بالقرن العشرين. حيث ترجع أهمية تلك الخبرة لنقطتين. تكمن الأولى في وصول تيار الاسلام السياسي إلى صدارة المشهد، بل وتولي بعض مكوناته السلطة في اللحظات الاستثنائية خلال موجة الحراك الثوري التي شهدتها المنطقة العربية، والتي استمدت جذورها من التحولات التي شهدتها البيئة العالمية. بينما تكن الثانية في مساحة التفاعل بين التيار الاسلامي والحراك الجماهيري التي اصطدمت بطبيعة تلك اللحظات الاستثنائية للمرحلة التي تمر بها تلك المنطقة والتي اتسمت بوجود ثلاثة محددات هي: ثورة في التوقعات لدى الشعوب. ومحدودية في الموارد تكبل صانع القرار، وأخيرا ندرة في عنصر الوقت حيث يجد من يتصدر العمل العام نفسه مجبرا على تلبية أية طموحات في غير رفاهية بالوقت، وإلا فقد واجه مصيراً بات معلوماً. ولعل تجربة سقوط الإخوان بعد اثنتي عشر شهرا في السلطة لخير دليل.
ومع
الانتعاشة التي شهدها تيار الاسلام السياسي في المنطقة وذلك في ضوء معطيات مرحلة
ما بعد النظم الحاكمة بدول "الربيع العربي"، فقد باتت ظاهرة الاسلام
السياسي تمثل مادة أشد خصوبةً لدى الاوساط البحثية والمفكرين وفي الكثير من أدبيات
الاجتماع السياسي وهو ما يرجع بالأساس إلى التحولات التي طرأت على الاسلاميين فكرا
وممارسة على إثر تجربتهم الأخيرة. وقد أتاحت تلك اللحظة فرصةً أكبر لدراسةِ ظاهرةِ
الاسلاميين بالتقييم في ضوء تلك الخبرة.
والملاحظ
على الاجتهادات البحثية، والتنظيرية المتعلقة بتقييم تحولات الاسلام السياسي هو
أنها اتجهت في مسارات متقاطعة ما بين التقييم الفكري والتعامل مع التحولات التي
طرأت على الأدبيات والمرجعيات التي تستند عليها قوى الاسلام السياسي، والتقييم
الحركي من خلال دراسة ممارسة الاسلاميين أنفسهم خلال عملية التحول المفاجئ من
المعارضة إلى السلطة، ثم الارتداد المفاجئ أيضا إلى المعارضة في أشد درجاتها
تطرفاً، مع التركيز على دور تلك التحولات في إعادة صياغة البنية الحركية
والتنظيمية لجماعات الاسلام السياسي. فضلا عن غيرها من الإتجاهات والاقترابات التي
تناولت ظاهرة "الاسلام السياسي" في خضم التحولات التي تعيشها في تلك
المرحلة وهو ما يمكن أن نرصده في الاتجاهات التالية:
أولا.
التحولات الفكرية
تمثل
البنية الايديولوجية وقوداً محركاً لقطاعٍ كبير من مكونات التيار الاسلامي حيث
تسعى كافة افصائل إلى إحداث تكيف لواقع ممارساتها في العمل العام مع تلك البنية
التنظيمية. والمتتبع لمسار التحولات التي شهدتها السياقات الأيديولوجية لمكونات
"التيار الاسلامي" يجد أن أكثرها بروزا ما شهدته التحولات يرجع إلى منتصف التسعينات من القرن العشرين مع
عملية المراجعات التي تبنتها الجماعة الاسلامية في مصر في اتجاه نبذ العنف، وإبداء
استعدادها للانخراط في العمل العام وفقاً للمنظومة الحاكمة، وبالشروط التي يفرضها
النظام الحاكم وقتئذ. وبغض النظر عن دوافع تلك المراجعات، وطبيعتها، وما إذا كانت
نابعة من قناعات حقيقية، أو أن ما هي سوى تكتيكات فرضتها متطلبات المرحلة حيث
الضغوط الأمنية، بعيدا عن كل ذلك، إلا أن التحول في البنية الايديولوجية للجماعة
الاسلامية قد مثلت بادرةً مبكرةً لتحولات متتالية فرضتها بيئة الربيع العربي،
وتصدر الاسلاميين للمشهد العام. وقد كانت أشد تلك التحولات كثافة لدى القوى
السلفية.
على
أنه تجدر الاشارة إلى أن تلك التصدعات التي أصيب جسد "التيار الاسلامي"
ليست بالأمر الجديد حيث يرى نبيل عبد الفتاح في دراسة بعنوان الحركة الاسلامية
المصرية والديمقراطية ـ الاشكالية الفقهية ورؤى الاصلاح: رؤية أولية أن الإنكساريات
التنظيمية والتناثر لهياكل هذه الجماعات ترجع إلى ما بعد هجرة بعض كوادرها (حالة
الجماعة الاسلامية، وتنظيم الجهاد) سواء في أفغانستان وأوربا الشمالية والولايات
المتحدة، الأمر الذي أدى إلى تناقضات في الرؤى والأولويات، وبالذات حول مبادرة وقف
العنف من قادتها في الداخل والخارج وبين التاريخيين، وبين الأجيال التالية في خارج
مصر قبل أحداث سبتمبر وفي داخلها مؤخرا[2].
وعلى
الرغم من التحولات التي تشهدها تلك المنظومة الأيديولوجية للقطاعات عريضة منها
التيار الاسلامي إلا أن الملاحظ على غالبية تلك التحولات هو أنها في غالبيتها إنما
جاءت استجابة لتحديات مرحلية، بينما يبقى جوهر، وقناعات غالبية قادة "التيار
الإسلامي" لا تزال تعاني من السكون وعدم المرونة التي يمكن القول معها بأن
ثمة تغيرات حقيقية. فكما كما يشير الباحث ماهر فرغلي في دراسة بعنوان "مآلات
التيارات السلفية بعد الثورة المصرية" فإنه على الرغم من أن البنية
الفكرية للسلفيين مازالت تحمل أفكار الرفض والتحريم، إلا أنها شهدت تحولا سريعا
نحو الممارسة بدون مراجعات حقيقية حيث لم يعيد السلفيون النظر إلى قناعاتهم
السابقة حول ممارسة العمل السياسي، وأن جُل تركيزهم قد انصب على تبريرات مرتبطة
بالأمر الواقع. وكما يوضح فرغلي فقد اعتمد التيار السلفي على تنوع الاشكال دون
اختلاف في الخصائص العامة وعدم وجود إطار مرجعي واحد لهم، وخلط بين بين العام
والحزبي، وفقهية تراثية واحدة. وبالتالي فإن التحول الوحيد الذي طرأ على العمل
السلفي كما يقول ماهر فرغلي هو "التحول المتسارع للسياسة[3].
ولعل ما يؤكد على ذلك قول الداعية السلفي محمد سعيد رسلان بأن الثورة عملاً لا
يتناسب مع الإسلام، بل هو خروجا عليه، وأن من قاموا بها ليسوا شهداء بل هو خوارج.
إذ يرى رسلان في الثورة جزءً من الخطة التي بشر بها أحبار الماسون وأنبياء صهيون.
وأن من قاموا بها هو خريجو وطلاب الجامعات الأجنبية يتبعهم ويساندهم الفنانون
النحلون، والمخرجون السفهاء وأصحاب العري، والسفور والباحثون عن تطليق الفضيلة.
وهنا
يخلص الباحث سمير العركي في دراسة بعنوان إشكالية الخطاب السلفي إلى أن
الخطاب السلفي يعاني فقرا واضحا في الحديث عن حقوق المرأة بعيدا عن أحاديث العموم
التي تتناول الحريات والحقوق دون التطرق إلى نظرة التيار السلفي لكينونة تلك
الحقوق في ضوء مستجدات العصر الحالي، وهو ما ينطبق على الموقف من حقوق المرأة في
الاسلام وإمكانية توليها الوظائف العامة والقيادية واشتغالها بالعمل السياسي، حيث
لم نجد جهدا سلفيا واضحا في التأسيس لحريات ما بعد الثورة ونظرية التيار لحرية
الابداع والتعبير[4].
وفي
ضوء ذلك يمكن القول بأن السلفية تعاني من إشكالية التضحية لصالح التكتيك وخواء
المحتوي البرامجي وعدم القدرة على التحرر من علاقة التبعية لمشروع إعادة انتاج
النظام القديم وهي صفات تتشارك فيها مع الاخوان المسلمين ولكنها تعاني من الخبرات
التنظيمية والحزبية نظرا لحداثة عهدها بالسياسة مقارنة بالإخوان المسلمين.
وبالتالي
تجدر الاشارة إلى أنه على
الرغم من أن السلفيين قد حققوا نجاحا تنظيميا تجلى في القدرة على تحويل رأسمالهم
الاجتماعي والدعوي المعتمد على شبكاتهم الاجتماعية والدعوية والخيرية الممتدة عبر
قوى ومدن مصر إلى رأسمال سياسي في فترة زمنية، إلا أنه في ضوء تلك التطورات فقد
أصيبت البنية التنظيمية للتيار السلفي في مصر بصدمة واضحة وهو ما يرجع إلى عدم
قدرة تلك البنية على استيعاب التطورات الاخيرة الامر الذي انتهي إلى انقسامات
قائمة على الارتباط السياسي الذي احدثته حرة 30 يوليو. فاندفعت مكونات الحركة
السلفية لتبني التبريرات الايديولوجية التي تتوافق مع اتجاهاتها السياسي. ولعل ما
يؤكد على ذلك هو التحولات الايديولوجية المتسارعة المرتبطة فيما يخص المشاركة
السياسية والموقف من السلطة والترتيبات المؤسسية في الفترة التالية على 25 يناير
وصولا إلى تحولات ما بعد 30 يونيو وهو ما يتجلي بوضوح في الموقف من الانتخابت
والاستفتاءات والمشاركة التي شهدتها تل المرحلة. فقد رأينا تصاعد لدعاوى التأصيل
للمشاركة السياسية كما جاء في دعوى بعض رموز التيار السلفي مثل محمد حسان الذي
طالب بإعادة النظر في كثير من المسلمات، كمسألة الترشيح لمجالس الشعبي والشورى
والرئاسة والحكومة[5].
إلا
أنه في ضوء التطورات الأخيرة فقد تبين أن ثمة حاجة ماسة لإعادة تصنيف المكونات
السلفية، وبخاصة في ضوء تحركاتها التي امتلأت بالاشتباكات والتقاطعات المستجدة
وذلك على خلاف ما كان عليه الأمر فيما سبق من حيث التصنيف على أساس الرؤي
والتنظيرات ما بين السلفية العلمية والدعوة السلفية، والسلفية الحركية والسلفية
المدخلية حيث فرض فصيل جديد نفسه هو السلفية السياسية.
وأمام
صدمة الثلاثين من يونيو 2013 وفشل التيار الاسلامي في الحفاظ على مكتسباته
الأخيرة، ومع تباين الاداء بين السلفيين في التعامل مع السلطة الحاكمة الجديدة بعد
الثلاثين من يونيو، اهتز الكيان السلفي بداخله حتى تعالت الاتهامات فيما بين
المختلفين بينهم، وقد كان أبرز تلك الاتهامات ما واجهته سلفية الاسكندرية بأنها
متهمة بالتنازل العقائدي والانخراط في الحياة الحزبية والبرلمانية على أساس
الديمقراطية الكفرية حيث أصبحت كما يرى منتقدوها سلفية مونتسكيو وجون لوك وجان جاك
روسو. ومن هنا فقد امتلأ الخطاب الناقد لتلك السلفية بمصطلحات مثل "شيوخ
المارينز"، و"شيوخ الأباتشي"، و"مشايخ الانبطاح"،
و"مشايخ الحيض والنفاس" حيث أسقط على المخالفين منطق البراء. وهو ما دفع
لبروز اتجاه تصحيحي يرى أن التحولات الفكرية ترجع إلى ما بين 4-5 عقود سابقة. وهو
ما يرجعه عصام حسنين عضو مجلس شورى الدعوى السلفية إلى العوامل التالية[6]:
-
قلة العلم الشرعي
وانحرافهم عن المهج الدعوي وهو ما أدى للقول بالمجتمع الجاهلي وتكفير بعض الطوائف
أو التكفير على العموم.
-
التعصب الأعمي
دون دليل لبعض رموز الجماعات الاسلامية والاتباع دون دليل لبعض رموز الجماعات
الاسلامية والاتباع دون دليل.
-
المنكرات الشائعة
في المجتمع ووجود الظلم واستضعاف الطوائف الاسلامية.
حيث
يرى حسنين بأن علاج هذا التحول يكون من خلال التزام منهج السنة والجماعة في قضية
التغيير بتعليم الناس وتربيتهم على الاسلام والإحسان وذلك بفهم الصحابة وسلف الأمة
ومن سار على نهجهم من الأئمة الثقاة.
وفي
هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن غياب المنافس الحقيقي من مشروعات فكرية جادة في
مواجهة "التيار الإسلامي" كان العامل الأهم في تحولات وتمدد مسار
"الإسلاميين" وهو ما يؤكد عليه سمير أمين في دراسة بعنوان الثقافة
الايديولوجية في العالم العربي المعاصر بأن تيارات الفكر السلفي التي لم تختفي
في يوم من الايام، وإذا كان هذا التيار يشغل اليوم مساحة مهمة في الساحة السياسية،
إلا بفضل الضجة الي تحدثها تجلياته كما لو أنه يسيطر عليها بلا منافس تقريبا فإن
ذلك يرجع إلى أن التيارات الفكرية الاخرى متأزمة بأكثر مما يرجع إلى أنه تغلب على
أزمته الخاصة[7].
ثانيا.
التحولات الحركية
لا
تتمثل التحولات التي طرأت على المسار الحركي للجماعة الاخوان ليس بالأمر الجديد،
إلا أن ما يميزه في تلك المرة هو تلك الهالة التي تم تسليطها عليه مع تصدر الجماعة
للمشهد العام للمجتمع المصري، بل في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام حيث ترجع تحولات
الحركة إلى بداية الربع الأخير من القرن العشرين فكما يشير الباحث حسام تمام في
كتابه "الاخوان المسلمون سنوات ما قبل الثورة[8]"
فقد نتج عن التمايز الذي حدث خلال المسار التاريخي للجماعة بسبب عملية الانقسام
الكبرى لجيل إسلاميي السبعينات إلى الحركة الاخوانية ثم قيادتهم للمشاركة السياسية
بدءا من عام 1984 خلال الانتخابات التشريعية ثم تفاعل التيار الناتج مع سياقات
النظام المصري ومكونات السياسة فيه، وأطياف المجتمع المختلفة ووسائل الاعلام
والاتصال. وقد نتج عن كل ذلك تمايز تدريجي وبوتيرة متسارعة امتدت تجربتها فيما بين
منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينات، الامر الذي أدى إلى الانقسام الذي شهدته
الجماعة ما بين تياري الاصلاحيين والمحافظين. وهو ما تزامن مع مستجدات الساحة
المصرية وبخاصة مع وصول الجماعة لصدارة المشهد ثم سدة الحكم بشكل مفاجئ، والهبوط
بشكل مفاجئ أيضا ليترتب على الصدمة التي اصيبت بها الجماعة انحدار في منحنى الوجود
العام بالمجتمع المصري. حيث لم تستوعب الجماعة صدمة الثلاثين من يونيو مما يسهم في
تسارع وتيرة الانحدار ليتسع صدام الجماعة ويشمل المجتمع بعد ان اقتصر لعقود على
تصادمات متباينة في حدتها مع السلطة الحاكمة.
وقد
مثلت فرصة الوصول للحكم أحدى النقاط الفارقة والأهم على مدار تاريخ التيار
الاسلامي وبخاصة في حالة الانكشاف التي نتجت عن الممارسة الفعلية بعد الانتقال
المفاجئ من صفوف المعارضة إلى صف السلطة الحاكمة وهنا يصف أحمد الدريني في كتابه ثلاثية
العرش (الاسلاميون ـ الدولة العميقة ـ السيسي) ذلك الأداء بأن الاخوان ومن
خلفهم قد تعاملوا من منطق الامر الواقع والوعد الالهي المحقق في الأرض[9].
وقد
مثل سقوط جماعة الاخوان فرصة لإجراء عملية تصحيح كبرى في حركة المجتمعات الاسلامية
وفي فكرها السياسي من المفترض أن يقودها ذلك للعودة للمسار الصحيح للمجتمع. فكما
يذهب الدكتور نصر محمد عارف في دراسة بعنوان الاسلام السياسي إلى أين؟ نهاية
تحولات التوظيف السياسي للإسلام، فإن ذلك يعني بداية عودة المجتمع وبداية
نهايات الجماعة التي قدمت نفسها بديلا عن المجتمع ووصية علية. فمن المنظور
التاريخي نجد أن المملكة العربية السعودية لطالما مثلت الملاذ والأب الروحي والدعم
الأكبر لجماعة الاخوان وهو ما بدأ من خلال علاقة مؤسس الجماعة "حسن
البنا" مع محب الدين الخطيب، كما أن تسمية الجماعة (الاخوان) قد جاءت استعارة
من إخوان السعودية (إخوان الملك عبد العزيز) فضلا عن العلم الذي تأثر بعلم
المملكة. كما أنه حين اصطدمت الجماعة بجمال عبد الناصر في مواجهة مفتوحة كانت
المملكة هي المأوى والملجأ والمساند. وهو ما يعني أن اعلان السعودية جماعة الاخوان
جماعة إرهابية قد مثل بداية نهاية درامية للجماعة يدفعها للانزواء تحت مظلة ضيقة
في إمارة قطر أو تركيا، الأمر الذي يجعلها تحت رحمة التغيرات السياسية والموقف الأمريكي
في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يرتبط بالتفاعلات في المنطقة وبخاصة بعد أن أبدى
النظام الحاكم بعد 30 يونيو قدرة أكبر من المرونة السياسية في التعامل مع القضايا
الإقليمية سواء على المستوى الافريقي أو الشرق أوسطي، أو العربي، الأمر الذي انتهي
بإرغام الولايات المتحدة على تغيير موقفها من السلطة الحاكمة في مصر، بل وإعلان
الولايات المتحدة دعمها لمصر في مكافحة الإرهاب، وأخيرا اتصال أوباما بالرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي وإعلانه استئناف المساعدات الامريكية لمصر. أما على
الجانب الاوربي فالأمر لا يختلف كثيرا حيث عدلت الدول الاوربية موقفها من السلطة
الحاكمة في مصر وبخاصة مع استقبال العديد من القادة الاوربيين للسيسي ورفض الاتحاد
الاوربي التعامل مع جماعة الاخوان المسلمين فيما يخص ملف حقوق الانسان في مصر[10].
أما
فيما يخص التيار السلفي ففي دراسة حول السلفية فكرا وممارسة بعنوان السلفيون
والسياسة يذهب محمد حافظ دياب إلى أن التيار السلفي غلب عليه الميل لعدم
المشاركة في ثور ة 25 يناير حيث أعلنت الدعوة السلفية عدم المشاركة في التظاهرات
واستنكرت أعمال التخريب وأكدت على هوية مصر الاسلامية، وعلى أن الامان الحقيقي
للأقباط هو في الشريعة. وكانت حجتهم في عدم الاشتراك في الثورة، هي عدم كشف طابعها
الاسلامي للغرب، حتى لا يسارع إلى قربها. ومع الاستفتاء على التعديلات الدستورية
في 19 ارس من نفس العام، أصدرت أول بيان لها طالبت فيه الشعب المصري بالمشاركة في
الاستفتاء، والموافقة على التعديلات ضمانا لعدم التعرض للمادة الثانية من الدستور،
والتي تنص على أن الاسلام هو دين الدولية[11].
وكما
يخلص الباحث على عبد العال في دراسة بعنوان السلفيون في مصر: المنطلقات الفكرية
والتطور التاريخي فقد برزت إشكالية الفجوة بين جيل الشباب السلفيين ترجع إلى
موقفهم من أحداث 25 يناير فعلى الرغم من تحفظ بعض القيادات، إلا أن الحضور
الجماهيري السلفي كان في تزايد واضح في المشهد الاجتماعي. وبالتالي فالوجود السلفي
لم يكن وجودة تنظيميا بقدر ما هو وجود فردي جاء بدافع الامل في التخلص من نظام
مبارك. فقبل 25 يناير برز حراك في الشارع لبعض السلفيين المعترضين على اعتقال
كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين. لكن الأمر قد شهد تحولاً في اتجاه القيادة السلفية
لمواقفها من 25 يناير حيث جاءت تحت ضغط تحولات الامر الواقع وليس على قناعات. وهو
ما يتأكد مع إشارة ياسر برهامي لذلك إلى درجة أن امتدح شيخ السلفية المتظاهرين في
مؤتمر حاشد 8 فبراير[12].
وهنا يرصد عبد العال مواقف غير موحدة نابعة من الطبيعة غير الموحدة للسلفيين وفي
هذا الصدد يشير إلى فتوى لمحمد لطفي عامر بتكفير البرادعي والقرضاوي لخروجهما في
العصيان المدني. ومعارضة برهامي لذلك مادام الحاكم لا يحكم بشرع الله. يلاحظ هن
اأن السلفيين لم يفرضوا حلولا بل انشغل أغلبهم على مرحلة التوصيف وهو ما ينبع عن
طابع يتسم بالسلبية تجاه المجتمع ورؤية تقف عند حد النقد[13]. وقد
امتزجت تلك الاشكالية مع انتكاسة الثلاثين من يوليو ليمتد تأثيرها لأبعد مدى. وهو
ما دفع الباحث خليل العناني في دراسة حول سقوط الاخوان ومستقبل الاسلام السياسي
إلى القول بأن سقوط مشروع الجماعة في مصر يمثل ضربة موجعة لكل حركات الاسلام
السياسي وللفكرة المركزية التي تدور حولها هذه الحركات[14].
كما
يذهب كل من رفعت سيد أحمد وعمرو الشوبكي في دراسة مشتركة بعنوان "مستقبل
الحركات الاسلامية" بأن مستقبل ذلك التيار سوف يظل مرتبطا بعدة عوامل
داخلية تتعلق بمدى انفتاحها ومرونتها وقدرتها على التكلس أو التحجر الفكري المتعلق
بأيديولوجيتها، والتي لا تكاد تخلو منها أية حركة أو منظمة سياسية طال عليها
الزمن، ومدى قدرتها على قبول الاخر والانفتاح عليه وقراءة الواقع ومقابلة هموم
الشارع وطموحاته[15].
أما
فيما يخص السلفية الجهادية فقد أبدت غالبية الأدبيات التي تناولتها اجماعا على
انتقالها، وتحولها نحو مرحلة جديدة عرفت بـ "الجيل الثالث" Third
Generation Of Violence. لكن على
الرغم مما يذهب إليه فرانسوا بورجا في دراسة بعنوان وجها لوجه مع
الإسلام السياسي Face to Face With Political Islam بأن ظاهرة السلفية الجهادية تفتقر إلى مقومات العيش الطويل والاستمرار
وأن مكوناتها ينقصها عنصر الديمومة، ما حدا به أن يقلل منها، ويرى أنها لا تمثل
بالضرورة تيارا إسلاميا بل تقع على حافته، كنوع من ردة فعل لعنف الدولة وأنها نتاج
سياق دنيوي خالص وليس مراجعة لأي مبدأ إسلامي عالمي[16].
وعلى الرغم من ذلك إلا أن ثمة اتجاه يرى بأن ظاهرة التنظيمات الجهادية إنما هي
ظاهرة متجددة، حيث يرى أبو بكر الدسوقي في ورقة بعنوان إشكالية الانتجال في
أجيال العنف، حيث تمثل
الجيل الأول في التنظيمات المركزية في مصر في النصف الثاني من سبعينات
القرن الماضي، ومن أبرزها تنظيم الجهاد والتفكير، والهجرة والجماعة الاسلامية
المسلحة في مصر، والجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، وعصبة الانصار في
لبنان، والجماعة الليبية المقاتلة، فعضلا عن عدد من التنظيمات خارج العالم العربي،
مثل حركة المجاهدين، وتنظيم جيش محمد في باكستان، وجماعة أبي سياف في الفلبين، ثم
الجماعات التي نشأت في ظل القتال ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان. ثانيها:
جيل الجهاد الاممي الذي نشأ في عام 1998 في أفغانستان بزعامة اسامة بن لادن وأيمن
الظواهري، حيث تم تأسيس تنظيم القاعدة. أما الجيل الثالث والأخير فيتمثل في
تنظيم القاعدة، بعد أن انفرط عقده بين الدول المصدرة للمجاهدين، أو جماعات محلية،
لكن تحت العباءة الفكرية نفسها للقاعدة واخواتها، مع تعديلات في بعض الحالات، ومن
أبرز تنظيمات الجيل الثالث، تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش سابقا،
الذي تحول لاحقا للدولة الاسلامية، وجبهة النصرة في سوريا، وأنصار بيت المقدس في
مصر، وانصار الشريعة في ليبيا وتونس والقاعدة في بلاد المغرب العربي، وأهل السنة
للدعوة والجهاد بوك حرام في نيجريا وغيرها. والملاحظ بأنه
كلما تراجعت تلك التنظيمات في وقت ما، وفي
مكان ما، تصاعدت تجربة أخرى بثوب جديد، وفي منطقة جديدة. وأن التراجع في تلك
الحالة لا يعني الانتهاء أو الفشل بقدر ما كان يعني الخفوت نحو مراجعة التقييم،
فإذا بالمراجعة تنتج جيلا آخر قادرا على الاستمرار، بما يكون الجيل الذي سبقه قد
استنفد أغراضه، أو فقد قدرته على الاستمرار في مواجهة خصومه، فإا بجيل آخر يظهر
بعد حين بعد إجراء تغييرات في الاستراتيجية. ولا تزال الظاهرة مستمرة ويصعب التكهن
بنهاية محددة لها. لكن الثابت في دورة تغيير تنظيمات العنف عبر اجيال متتالية، أن
هناك تمايزا بين هذه الأجيال، إلا أن ثمة اختلافات تظهر بين جيل والجيل الذي يليه،
أو ربما داخل الجيل ذاته. بل وهناك إشكاليات غالبا ما تثار في رؤى هذه الاجيال في
تصاعدها وتراجعها مثل إشكالية تناقض الاهداف (العدو القريب أم العدو البعيد)،
وإشكالية الموقف تجاه إنشاء كيان مؤسسي (دولة أو إمارة)، وأخيرا تأتي إشكالية
الربيع العربي[17].
ويتسم
الجيل الثالث من تلك الجماعات كما يوضح محمد اسماعيل في دراسة بعنوان خريطة
الجيل الثالث من تنظيمات العنف في مصر بعدد من القواسم المشتركة تتقاسمها مع
الاجيال السابقة من التنظيمات التي مارست العنف في إطار مرجعية دينية يمكن حصرها
في النقاط التالية[18]:
·
تحمل تلك
التنظيمات دوافع انتقامية، نظرا لأنها ترى بأن التيار الاسلامي تم إقصاؤه عن
السلطة بناء على مؤامرة اشتركت فيها اطراف متعددة. فضلا عن اعتقادها في تعرض
انصاره لمذبحة توجب عليهم الانتقام من مؤسسات الدولة التي ساهمت في تلك المؤامرة.
·
تستند هذه
التنظيمات في نشاطها بشكل مباشر على خطاب "المظلومية الكبرى" الذي روجته
التيارات الاسلامية عقب عزل محمد مرسي وفض اعتصامي رابعة والنهضة.
·
في حين كانت
الاجيال السابقة تسعى للسلطة، فهذا الجيل الثالث قد وصل بالفعل للسلطة لأول مرة في
تاريخه وتسرب حلم الدولة الاسلامية من بين ايديهم.
·
على الرغم من
تشوف موقف الاجيال السابقة من الديمقراطية ومفرداتها (الانتخابات، والمشاركة
السياسية ...إلخ)، وقد غلب عليه طابع التحريم، إلا أنه يمارس العنف دفاعا عن
الاصوات والصناديق الانتخابية التي تم اهدارها بعد عملية ديمقراطية نزيهة.
·
يحرص الجيل الثالث
على ربط حركته بحركة الجهاد العالمي، حيث أبدى غالبيتهم التعاطف مع داعش والقاعدة
·
تحظى تنظيمات
الجيل الثالث بحاضنة شعبية تتمثل في قطاع من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وعلى
الرغم من وجود قطاع منهم يدين العنف إلا أنه يبرره بأنه في سياق طبيعي نتيجة
للإطاحة بالرئيس المدني المنتخب.
·
هذه هي المرة
الاولى التي ينتقل فيها مركز ثقل تنظيمات العنف في مصر بشكل واضح من القاهرة
والدلتا حيث تتركز الكتلة الكبرى من السكان إلى الاطراف الحدودية ذات الكتل
السكانية الكثيفة، وتحديدا شبه جزيرة سيناء.
وهو
ما يؤكد عليه ممدوح الشيخ في ورقة بعنوان أجيال العنف .. الاستمرار والتغير، بالاشارة إلى ضياع محددات التقسيم الجيلي
لجماعات العنف بين الفقهي والتنظيمي، وتحولات الاهداف وتطور الوسائل، وحسابات
التوسع الكبير في نطاق انتشار الظاهرة. حيث شهدت جماعات العنف الاسلامي تحولات
اسهمت فيها الجغرافيا بشكل رئيسي أفغانستان ــ البلقان ــ سوريا، حيث الاوراق
مختلفة بين العدو القريب والعدو البعيد، بين العقائدي والمذهبي. وبقى الخطاب
الفقهي بين هذه العوامل واحدا من المؤثرات بعد أن كان يبدو المعيار الحاكم. ثم
ينتهي الشيخ إلى أن التحول من الواقعي إلى الافتراضي يكون إحدى السمات المهمة التي
تشير إلى تحول نوعي. فهو من ناحية، منح التنظيمات ذات البنى التنظيمية وسائل أكثر
فعالية، فيما أصبح عند أجيال تالية من ممارسي العنف عالما بديلا عن التنظيم[19].
وهنا
يذكر فواز جرجس في دراسة بعنوان القاعدة الصعود والافول ـ تفكيك نظرية الحرب على
الارهاب أنه لم يكن مسار القاعدة وبنيتها ما يوحي استمرارية فاعلة، وبخاصة في ظروف
مجتمع اسلامي لا يقتنع بفكرة الجهاد العنيف، ولا بالجهاد الأممي في تكاليفه
الباهظة" عموما فقد أثبتت الاحداث خطأ هذا الظن، بدليل ما تقوم به السلفية
الجهادية حاليا في سيناء والعراق وسوريا والجزائر ومالي واليمن وباقي الاماكن التي
تشهد نشاطا لمثل هذه الجماعات[20].
ثالثا.
مرحلة المابعديات
وفي
مقابل الرؤية التحولية لظاهرة الإسلام السياسي، بل والجماعات الجهادية المسلحة،
التي تتمحور حول صيرورتها التاريخية، وانتقالها من طور لآخر في ضوء عملية
مراجعاتية تفرضها التجارب المتتالية ونتائجها المتنوعة، فإن ثمة اتجاهاً يتخذ منحى
آخر يرى بأن الإسلام السياسي قد وصل إلى مرحلة "المابعديات" أو "ما
بعد الاسلاموية" يعبر عنها آصف بياتي في كتابه ما بعد الإسلاموية
والذي يشير إلى انتهاء توجهات معينة دونما النجاح في تأسيس غيرها أو إلى تحولات
عميقة تنبئ بتطورها. ففي المغرب العربي أصبحت ما بعد الاسلاموية في المجتمع المغربي
وبخاصة في ظل التغيرات التي لحقت بالواقع الاجتماعي من حيث تحول مفاهيم التدين
وطبيعته. الأمر الذي يتقابل مع الحالة الاندونسية حيث أنه في الوقت الذي أعلنت فيه
الحركة الجهادية عزمها على تحقيق المجتمع الاسلامي أدركت النخبة الفكرية الاسلامية
خطورة هذا التوجه على الدين والمجتمع والسياسة فنشطت حركة فكرية سعت لفهم صحيح
الاسلام يقوم على التعددية والثقافية والمساواة بين الجنسين والعدالة والحريات
المدنية والقيم العالمية[21].
وهنا
تتسائل هبة رؤوف عزت في دراسة بعنوان ما بعد الاسلاموية نظرة نقدية، هل
يمكن وصف التحول بأنه ما بعدي فقط؟ إذ ترى بأنه سادت لعقود نظرة بنيوية لفهم
الحركات الاسلامية وتم التركيز على تماسك بنية الأفكار وبنية التنظيم، وشبكات
التحالفات بتقسيمات واضحة وتصنيفات للجماعات صكها الباحثون، ومن المهم استعادة
النظرة غير البنيوية أو العلائقية لأنها أكثر دينامية وحيوية وتعين على رصد التغير
والتحول والتفاعل فالمزج يكون بين البنيوي وغير البنوي، المؤسسي والعضوي، أم
المنتظم وغير المنتظم. حيث تنظر هبة رؤوف إلى الحراك والتحول من خلال مستويات
ثلاثة هي[22]:
· المستوى
الحركي ومراجعة صيغ التنظيم والانخراط المجتمعي والسياسي
· الموقف
من المشروع السياسي الذي تقدمه التنظميات.
· العلاقة
بالعالم بالمعنى الواسع وإدراك مستجداته.
ففي
ضوء الخبرة الاخيرة ترصد هبة رؤوف الملاحظات التالية على الخيال السياسي للتيار
الاسلامي: أولا. فقر الرؤية الاسلامية العميقة للدول التي تعني مشروعا متكاملا للعدالة
الاجتماعية يستلزم إعادة التوازن بين المؤسسات السياسية والسيادية وعلاقتها
بالمجتمع والمواطن. ثانيا. غلبة البراجماتية في التعامل مع المستجدات والمواقف
السياسية. ثالثا. الانشغال بالسياسي التناغمي على حساب الدعوي التواصلي وهو ما أثر
في الرصيد الشعبي للحركة الاسلامية[23].
وهو
ما يؤكد عليه منذر بالضيافي حينما ينتقل إلى التجربة التونسية في دراسة بعنوان "الاسلاميون
والحكم: تجربة حزب النهضة في تونس" حيث يرى بالضيافي أن التجربة التونسية
قد انتهت نتيجة لعدم استعدادها لإجراء مراجعات فكرية حقيقية في متنها الايديولوجي
وعجزها أن تتحول إلى حزب مدني تونسي. إذ تركزت تصريحات قادتها على أخونة الدولة.
وعلى الرغم من المرونة النسبية التي أبداها اخوان تونس قارنة بإخوان مصر إلا أن
بالضياف يرى أن قادة إخوان تونس قد فشلوا في فهم الحراك الثوري الذي تعيشه تونس[24].
رابعا.
الترتيبات الإقليمية
هناك
من يربط واقع وتحولات الاسلام السياسي بالترتيبات الاقليمية بمنطقة الشرق الاوسط.
حيث يرى جون كيبل بأن ما يحدث في منطقة الشرق الاوسط يتعلق بإعادة تشكيل خريطته
المنبثقة عن اتفاقية "سايكس – بيكو".
فيذهب
كامبل في كتابه بعنوان شغف عربي، بأن هناك علاقة بين الهيمنة التي تطمح
إليها إيران في المنطقة، حيث يشكل هذا السيناريو هاجسا للدول العربية الخليجية،
وبين رهان الاتراك والقطريين والسعوديين على داعش أو الدولة الاسلامية. حيث رأوا
فيها فرصة لتخليصهم من بشار الاسد الذي هو حليف لإيران. كما أن طبيعة الاختلاف بين
"القاعدة" وتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) تفرض نفسها حيث
تعمل القاعدة وفقا لنموذج هرمي والكل تحت التغطية المالية لابن لادن وخلفاؤه من
بعد. أما الدولة الاسلامية فإنها عوضت النموذج الهرمي القابل للاختراق بنموذج
الشبكة. كما يشير كامبل إلى بعد دولي يتمثل في انعكاس هذه التقلبات على الساحة
الاوربية والفرنسية بالنظر إلى عمليات التجنيد في صفوف الشباب الفرنسي ذي الميول
الجهادية والحاقة بجهات القتال المشتعلة في سوريا والعراق. ففي يونيو 2012 تقدم
أكثر من 40 مرشحا من أصول عربية وإسلامية للانتخابات التشريعية في فرنسا. وقد تبين
كامبل أن المسلمين يتركزون بدرجة أكبر في مدينة مارسيليا ومدينة روبية على الحدود
البلجيكية وكلتاهما ليستا غنيتين فالاخيرة تعد أفقر مدينة فرنسيا فضلا عن تاريخها
النضالي وهو ما يرتبط بتواجد المسلمين فيها.[25].
كما
يتناول جلال الورغي في دراسة بعنوان "الاسلاميون في الدولة: تجربة حركة
النهضة التونسية في سياق الدولة الحديثة" وذلك على خلفية الخبرة التونسية
إذ ركز على دور القوى الاقليمية في عملية التغيير التي تمر بها المنطقة ومكانة
التيار الاسلامي بها فيرى بأن ذلك الدور إنما جاء في غير صالح التغيير في العالم
العربي حيث يشير إلى عملية الحصار واستمرار التحفظ على وصول التيار الاسلامي[26].
· هشاشة
التجربة الديمقراطية في تجار لا تزال فتية بعد عقود طويلة من الاستبداد
والديمقراطية
· غياب
الرؤية في العلاقة بإدارة الدولة وإدارة الصراع
· حيرة
النهضة بين الدولة والمجتمع
· غموض
والتباس في مصدر القرار بشأن إدارة الدولة .
· الصراع
الايديولوجي وما أسفر عنه من انقسام ثقافي في المجتمع أربك تجربة لا تزال طرية
العود.
وهنا
فقد انعطفت العلاقات بين الولايات المتحدة والإسلام السياسي بشكل حاد في السنوات
الاخيرة حيث يتتبع عبد العظيم حماد لتلك العلاقة منذ الاتصالات المبكرة عقب الحرب
العالمية الثانية مباشرة، وحتى إقرار استراتيجية الارتباط البناء في عام 2007. ففي
دراسة بعنوان "الوحي الأمريكي قصة الارتباط البناء بين أمريكا
والاخوان" يشير إلى أن الاتصالات بين الطرفين قد بدأت من خلال وجود قناة
منتظمة للاتصال بين عدد من الدبلوماسيين الأمريكين في القاهرة وبين حسن البنا حيث
استندت تلك الاتصالات على توصيات وتقارير السفير الأمريكي الموجود في ذلك الوقت
"جيفرسون كافري" الناصحة بقوة بالتحالف مع الاسلام السياسي ممثلا في
الاخوان المسلمين في إطار مكافحة امتداد الشيوعية إلى العالم الاسلامي، وقد تمثلت
قناة الاتصال هذه في الدكتور سعيد رمضان عضو مكتب الارشاد وزوج ابنة حسن البنا
بداية من اللقاء الأول بين رمضان والرئيس الأمريكيي دوايت آيزنهاور في سنة 1953
بالمكتب البيضاوي للبيت الابيض.
وكما
يلاحظ روبرت دريفوس مؤلف كتاب لعبة الشيطان، فقد ساعدت الولايات المتحدة في
إطلاق الأصولية الاسلامية؟ في تقارير السفير الامريكي حول جماعة الاخوان في ذلك
الوقت، أنها لم تتطرق إطلاقا لأعمال العنف التي قامت بها الجماعة داخل مصر، وكانت
قد اغتالت قاضيا، ورئيسا للحكومة ضمن أعمال عنف أخرى، ولم تتطرق هذه التقارير أيضا
إلى وجود جهاز سري يتبع هذه الجماعة لممارسة العنف السياسية، ما يلاحظ دريفورس أن
تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خلت هي الاخرى من أية معلومات أو
تقويمات حول الاتجاهات العنيفة للجماعة، وهذا لا يعني إلا أن الامريكيين كانوا
يعتبرون أن هذه المسألة ثانوية، أو أنها لا تعنيهم، ما دام العنف موجها ضد أعداء
داخليين، وبعبارة أدق ليس موجها ضد أمريكا ذاتها[27].
فبعد
مكالمة هاتفية كانت هي الثانية خلال 24
ساعة بين مرسي وأوباما أعلن الرئيس الأمريكي على معاونيه انه يشعر أنه بنى علاقة
عمل مع مرسي، وأن دوره ـ أي مرسي ـ يستجاوز الازمة الراهنة، لدفع عملية السلام
قدماً، وأضاف أنه تأثر ببراجماتية الرئيس المصري، وأنه شهر بأن الرجل يتمتع بدقة
المهندس، وأنه ـ أي أوباما ـ فوجئ بقليل من الايديولوجية في حديث الرئيس المصري
،ولكن الرجل لا يعد إلا بما يستطيع إلا أنه يفي بما يعد به[28].
وذلك بجانب التحول في لغة خطاب الاخوان المسلمين في السلطة فقد تبنت الحكومة
التونسية التي يقودها حزب النهضة الاخواني لمبادرة السلام العربية من خلال التأكيد
السنوي عليها في القمة العربية ببغداد، ومع مرسي في سدة الحكم أيدت مصر هذه
المبادرة في قمة عدم الانحياز في طهران[29].
إن
الاسلام السياسي سيظل تياراً رئيسياً في السياسة المصرية، إلا أن الجماعة يمكن أن تكون لها مصير مختلف . فكما
يرى جمال عبد الجواد فإن اختفاء الاسلام السياسي من الخريطة السياسية المصرية ليس
أمرا واردا ولا هو ممكن الحدوث، لكن تغير افكار الاستراتيجيات واساليب عمل وفلسفة
تنظيم تيارات الاسلام السياسي يبدو أمرا متوقعا كنتيجة للصراع الراهن بين نخبة
الحكم الصاعدة في مصر وتنظيمات الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الاخوان. فالازمة
الراهنة لجماعة الاخوان هي الاكثر جدية وعمقا مقارنة بما سبقها من أزمات ومحن.
ويصعب تصور قدرة الجماعة على تجاوز هذه لازمة والعودة إلى ما كانت عليه قبلها كأن
شيئا لم يحدث.
وهو
ما يدفع جمال عبد الجواد في دراسة بعنوان المحنة الثالثة .. إنشطار الاخوان لتبنى سياسة الترويض وليس الاجتثاث للتيار
الاسلامي وفي القلب منه جماعة الاخوان حيث ينطلق في هذا من ركيزتين الاولى
هي لا واقعية فكرة اجتثاثهم من الحياة السياسية في مصر. أما الثاني فيكمن
في حتمية الترويض وذلك في ضوء الخبرتين التونسية التركية في هذا المجال. وذلك
لثراء هاتين التجربتين ففي الحالة التركية فإنه على الرغم من محاولة القوى القومية
والعلمانية اجتثاث قوى الاسلام السياسي إلا أن الاخيرة قد عاودت الصعود لكن في ظل
حالة من امكانية التعايش مع التعددية بالمجتمع أما في مصر فإن اللحظة الراهنة وما
تتضمنه من أزمة تتعرض لها الجماعة يمثل البيئة المناسبة لنجاح سياسة الترويض[30].
لكن
على أية حال فكما يخلص مروان شحادة في دراسة بعنوان القاعدة: الصعود والافول
ـ تفكيك نظرية الحرب على الارهاب، فإن العرب والمسلمين في حاجة إلى النظر
في تجديد الخطاب الديني (الإسلامي) وبلورة مفاهيم قادرة على النهود والتجدد آخذين
في الاعتبار مجمل التطورات والتقدم الذي حصل في حقل العلوم الانسانية[31].
[1] حاصل على ماجستير من الجامعة
الأمريكية، وباحث دكتوراه، درس فى أمريكا، وعمل باحثاً بمركز بن خلدون بالقاهرة
لعدة سنوات.
[2] - نبيل عبد الفتاح، الحركة الاسلامية المصرية
والديمقراطية ـ الاشكالية الفقهية ورؤى الاصلاح: رؤية أولية، مجلة الديمقراطية،
(القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام، عدد 5، شتاء 2000 )،
ص80.
[3] - ماهر فرعلي، "مآلات التيارات السلفية بعد الثورة
المصرية"، في أحمد بان (محرر)، واقع ومستقبل الحركات السلفية في مصر،
(القاهرة: مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، 2012)، ص 204.
[4] - سمير العركي، إشكالية الخطاب السلفي، في أحمد
بان (محرر)، مرجع سبق ذكره، ص 102.
[5] - ماهر فرغلي، مرجع سبق ذكره، ص 227
[6] - جريدة الفتح، 16/3/2014.
[7] - سمير أمين، الثقافة الايديولويجيا في
العالم العربي المعاصر، من أعمال المؤتمر الدولي للفكر والابداع، (القاهرة
اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، يناير 1993)، ص3.
[8] - حسام تمام، الاخوان المسلمون: سنوات ما قبل
الثورة، (القاهرة: دار الشروق: الطبعة الثانية، 2013)، ص 129.
[9] - أحمد الدريني، ثلاثية العرش (الاسلاميون ـ الدولة العمقة ـ
السيسي)، (القاهرة: كتابي للطباعة والنشر والتوزيع، 2015).
[10] - نصر محمد عارف، الاسلام السياسي إلى أين؟
نهاية تحولات التوظيف السياسي للإسلام، مجلة الديمقراطية، عد د52، ص 28
[11] - محمد حافظ دياب، السلفيون والسياسة،
(القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات،
2015 )، ص206.
[12] - علي عبد العال، السلفيون في مصر: المنطلقات
الفكرية والتطور التاريخي، في أحمد بان، مرجع سبق ذكره، ص 41.
[13] - المرجع السابق، ص 50.
[14] - خليل العناني، سقوط الاخوان ومستقبل الاسلام السياسي، السياسة
الدولية، العدد 194.
[15] - رفعت سيد احمد، عمرو الشوبكي، مستقبل الحركات الاسلامية بعد
11 سبتمبر، دمشق، دار الفكر، 2005).
[16] - Burgat
F. Face to Face With Political Islam, (London: Touris, 2003), P.21
[17] - أبو بكر الدسوقي، إشكالية الانتقال في أجيال
العنف، السياسة الدولية، ع 198، مجلد، 49، اكتوبر 2014، ص 68.
[18] - محمد
اسماعيل، خريطة الجيل الثالث من تنظيمات العنف في مصر، السياسة الدولية،
عدد 198، مجلد 49، اكتوبر2014، ص 82
[19] - ممدوح الشيخ، أجيال العنف .. الاستمرار
والتغير، السياسة الدولية، العدد 198، مجلد 49، اكتوبر 2014، ص 72.
[20] - فواز جرجس، القاعدة الصعود والافول ـ تفكيك
نظرية الحرب على الارهاب، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)ن ص 166.
[21] - Post-Islamism
Changing Faces of Political Islam. (New York: Oxford University Press, 2014).
[22] - هبة رؤوف عزت، ما بعد الاسلاموية: نظرة نقدية، مجلة
الديمقراطية، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العدد 52)، ص 83.
[23] - المرجع السابق، ص 85
[24] - منذر بالضياف، الاسلاميون والحكم: تجربة حزب النهضة في تونس،
(تونس: دار ورقة، 2015)
[25] - Jpjn
Kepel Passion arabe: Journal, 2011-2013, Gallimard; Gallimard, 2014.
[26] - جلال الورغي، الاسلاميون في الدولة: تجربة حركة النهضة
التونسية في سياق الدولة الحديثة، (تونس: دار ضفاف للنشر، المركز المغاربي
للبحوث والتنمية، يوليو 2014).
[27] - عبد العظيم حماد، الوحي الامريكي: قصة الارتباط
"البناء" بين أمريكا والاخوان، (القاهرة مركز المحروسة للنشر
والخدمات الصحفية والمعلومات، 2013)، ص 92.
[28] - المرجع السابق، ص 192.
[29] - المرجع السابق، ص 196
[30] - د. جمال عبد الجواد، المحنة الثالثة .. إنشطار
الاخوان، الديمقراطية، ع 52.
[31] - مروان شحادة، حولات الخطاب السلفي والعلاقات
الدولية" وحالة الدراسة تنظيم القاعدة، للفترة الواقعة بين 1990 – 2007، (الشبكة
العربية للأبحاث والنشر، 2010)