الأفتاء تنشر تجارب الدول فى إعادة تأهيل المتطرفين ودمجهم فى المجتمع ..(الحلقة الرابعة)

الحلقة الرابعة.. التأهيل والمساعدة والإدماج.. فك ارتباط الأشخاص بالجماعات الإرهابية وإعادة دمجهم فى المجتمع إعادة تأهيل المتطرفين ودمجهم فى المجتمع إنشاء مركز إعادة التأهيل للسجناء المدانين فى جرائم عنف وإرهاب اعتمدت دار الإفتاء، فى تقريرها عن خلاصة الدراسات المعمقة لـ42 دولة من مختلف دول العالم، فى مواجهة التطرف والإرهاب، على فكرة تأهيل الأشخاص وإعادة إدماجهم فى المجتمع. التأهيل والمساعدة والادماج.. تعتمد هذه الاستراتيجيات على إمكانية تخلي عناصر الجماعات المتطرفة عن أفكارهم وإعادة ادماجهم فى المجتمع مرة أخرى باعتبارهم مواطنين عاديين بعد أن كانوا منبوذين من المجتمع كافة. وكشفت الخبرات الدولية أن استراتيجيات إعادة التأهيل تعمل على مسارين. المسار الأول: فك الارتباط من الجماعات الإرهابية حيث يتعامل مع الأفراد الذين ينأون بأنفسهم عن الانضمام إلى الجماعات المسلحة إلا أن الولاء لأفكارهم ومعتقداتهم فى داخلهم ونفوسهم. والمسار الثاني: إعادة الإدماج فى المجتمع، إذ يشمل الأفراد الذين ينهون علاقتهم التنظيمية بالجماعات المتطرفة وتخلوا عن أفكارهم، والواقع هنا أن نجاح إعادة التأهيل يتوقف بدرجة كبيرة على مراعاة الدوافع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي دفعتهم إلى الانضمام للجماعات المتطرفة أساسًا. وأوضحت الدار أنه يمكن تطبيق عدد من الاستراتيجيات فى هذا الإطار. إعادة التأهيل والنقاهة تهدف هذه الاستراتيجية إلى إعادة تأهيل المتطرفين وإعادة دمجهم فى المجتمع وتصحيح المفاهيم عن طريق برامج تركز على الأبعاد النفسية والدينية والفكرية والاجتماعية، وتوجز هذه الاستراتيجية الأهداف والتحديات التي تواجهها الدولة جراء تصاعد عمليات العنف والإرهاب، كما تحدد وسائل مكافحة انتشار وجاذبية الأيديولوجيات المتطرفة. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى ردع الأفراد عن التورط فى التطرف، وتشجيع إعادة تأهيل المتطرفين والأفراد الذين يتورطون معهم، وتوفير برامج النقاهة لهم لتسهيل إعادة دمجهم فى المجتمع بعد الإفراج عنهم، ويمكن هنا الإشارة إلى برنامج "مناصحة" المطبق فى المملكة العربية السعودية وقد حقق نجاحات كبيرة، إضافة إلى برامج أخرى مطبقة فى معظم الدول الأوروبية وإن كانت ألمانيا تعد النموذج الأنجح فى هذا المجال. تطوير الشراكات مع المؤسسات الخاصة وذلك لتوفير فرص العمل والتدريب والتوظيف لهؤلاء السجناء بعد الإفراج عنهم بهدف إعادة دمجهم مرة أخرى فى المجتمع والحد من احتمالية عودتهم إلى جماعات التطرف والإرهاب، وهناك تجارب متنوعة لدى كل من هولندا وسلوفاكيا وألمانيا، إضافة إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. إنشاء مركز إعادة التأهيل وذلك للسجناء المدانين فى جرائم عنف وإرهاب، على أن يخضعوا لبرامج إعادة التأهيل والإدماج المجتمعي فى تلك المراكز لفترة لا تقل عن ستة أشهر وتحتسب من مدة العقوبة. يتم فى هذه المراكز: المناصحة وعقد اللقاءات الخاصة بالتطرف وعقد مناظرات مع السجناء للتأكد من تخليهم عن الفكر المتطرف والتأكد من إقلاع هؤلاء السجناء عن التطرف، وعزمه على التوبة وإعداد تقارير حول مدى خطورة العناصر المتطرفة وإمكانية عودتهم إلى ممارسة العنف. وتعتبر التجربة المغربية والألمانية من التجارب الناجحة والكبيرة فى هذا السياق. المراجعات الفكرية والأيديولوجية تعتبر مصر من الدول السباقة فى هذا المجال، إضافة إلى الأردن والمغرب، حيث يكمن جوهر هذه الاستراتيجية فى محاولة إقناع أعضاء تلك الجماعات لمراجعة أفكارهم والتخلي عنها. وفى هذا الإطار تتم الاستعانة برجال الدين للمساعدة فى إعادة تأهيل المتطرفين، فى إدراك لأهمية انخراط علماء الدين فى تصحيح المفاهيم واستئصال الفكر المنحرف من عقول هؤلاء. وتستهدف هذه الاستراتيجية ثلاثة نقاط رئيسية: فهم حقيقة الواقع وتصحيح المفاهيم المغلوطة وتخفيف حدة الكراهية والغضب، ومن ثم تعمل فى أربعة خطوات: استخراج الأيديولوجيات الخاطئة من عقول هؤلاء المتطرفين واستبدالها بأفكار ومفاهيم صحيحة إيجابية وتقديم التراث الإسلامي العريق المليء بالنماذج الطيبة التي تنشر السلام والمحبة بين البشر وتوفير البيئة المناسبة لكي يطبقوا ما تعلموه على يد علماء الدين. الرعاية الاجتماعية والنفسية تستهدف هذه الاستراتيجية العناصر المتطــرفة عقــب إطــلاق ســراحهم، خاصــة وأن غالبيتهم من حملة الشهادات الدراسية المتوسطة والعليا، وتهدف إلى العمـل علـى حـل مشكلاتهم ومساعدتهم فى التعامل مع احتياجاتهم النفسية والعقلية والروحية والمادية قـدر الإمكـان ليتمكنوا من التعايش مع المجتمع بعد ضياع سنوات من أعمارهم داخل السجون، وذلك بدعمهم – من خلال مركز التأهيل وبالتنسـيق مـع الأجهـزة المعنيـة– بالمقومـات الحيوية اللازمة لاستئناف حياتهم بصورة طبيعية، وتجدر الإشارة هنا إلى استراتيجية (prevent) المطبقة فى المملكة المتحدة، إضافة إلى التجربة الألمانية فى هذا الصدد. الدعم المادي تهدف هذه الاستراتيجية إلى مسـاعدة المفـرج عـنهم من المتطرفين علـى التفاعـل مـع واقعهـم المعيشـي وهو أمر يتطلـب مسـاهمة كافـة قطاعـات المجتمـع لتوفير حياة كريمة واندماجهم فى نشاطات تستوعب طاقاتهم، لأن بقـائهم دون عمل يشكل تهديدًا باحتمالية عودتهم مرة أخرى للانخراط فى الجماعات المتطرفة، تحـت ضـغط الحالـة الماديـة المتعسرة. أبرز برامج التأهيل والمساعدة والادماج برنامج المناصحة فى السعودية يعتمد البرنامج على المناصحة العلاجية عبر الحوار الهادئ والمناقشة البناءة والموعظة الحسنة، من قبل ذوي الكفاءات الشرعية والنفسية والاجتماعية، لإزالة الشبهات وتصحيح الأفكار من خلال توفير المعارف الشرعية الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة بهدف مساعدة المستفيدين على التخلي عنها، عبر لقاءات فردية أو دورات وحلقات علمية متنوعة التخصص. ويعمل برنامج المناصحة العلاجية على تصحيح أفكار الموقوفين من الشبهات الفكرية التي وقعوا فيها بالاستناد إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. المناصحة الموجهة ويتم فى هذا البرنامج استهداف الأسر التي يلاحظ عليها أو على أحد أبنائها فرد أو أكثر اعتناق أفكار خاطئة أو أن منهم من ذهب إلى مناطق الصراعات؛ لدراسة أحوال تلك الأسر والتواصل معها. يهدف برنامج المناصحة الموجهة إلى تصحيح الفكر لدى الأسر التي وقعت فى الفكر المتطرف أو أحد أو أكثر من أبنائها ودراسة حالتهم من الجوانب الشرعية والنفسية والاجتماعية. المناصحة النسوية تستهدف مناصحة العناصر النسائية داخل مقار التوقيف أو خارجها من قبل لجان مناصحة من العنصر النسائي المؤهل تأهيلًا شرعيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، كما يشاركن ضمن برامج المناصحة الأخرى التي تستهدف مكونات المجتمع. ويهدف برنامج المناصحة النسوية إلى محاورة العناصر النسائية اللاتي وقعن فى الفكر المتطرف ومناصحتهن والقيام بدراسة أحوالهن النفسية والاجتماعية لتصحيح الأفكار المغلوطة والمشوشة والغلو فى الأوساط النسائية. برنامج مراجعة الكتب والمنشورات دراسة ومراجعة الكتب والمذكرات والنشرات والمطويات وكل ما يتعلق بالصوتيات أو المرئيات التي تُعطى للموقوفين والمستفيدين، أو تُوزع أثناء تنفيذ البرامج الوقائية المجتمعة. وذلك بهدف التأكد من خلو الكتب المدروسة من الأفكار والآراء المتطرفة والمغلوطة ومراجعة وتقييم الكتب والمواد الإعلامية المرشحة للاستفادة منها فى مناشط المناصحة المختلفة، عبر تشكيل لجنة مراجعة متخصصة وفق نوعية المادة المطبوعة المراد دراستها وتقييمها. برنامج الرعاية والتأهيل يهدف البرنامج إلى تعزيز السلامة الفكرية للموقوف وإكسابه المهارات التي تسهم فى إعادة اندماجه فى المجتمع وليعود عضوًا صالحا يؤدي دورة الاجتماعي بكفاءة واقتدار. ويتألف برنامج الرعاية والتأهيل من أربعة مكونات برامجية رئيسة وهي: (البرنامج التعليمي - البرنامج التدريبي والمهني- البرنامج الرياضي والثقافي- البرنامج المفتوح). البرنامج التعليمي يتكون من مجموعة البرامج التخصصية وهي: البرنامج الشرعي، ويسعى لتعزيز بناء المفاهيم الشرعية الصحيحة على منهج الوسطية والاعتدال، وتقويم المفاهيم الخاطئة والبرنامج النفسي، ويعنى بدراسة حالة المستفيد وتعليمه مهارات بناء الذات والتخلص من المخاوف وضبط الانفعال وخطوات التفكير الايجابي والبرنامج الاجتماعي، ويهدف إلى تعليم المستفيد المهارات الاجتماعية التي تساعده على تجاوز ما قد يواجهه من مصاعب بعد الخروج وتسهم فى تكيفه واندماجه فى المجتمع وتوفير الدعم الاجتماعي له ولأسرته. وكان ذلك بالإضافة إلى برنامج الإرشاد بالفن التشكيلي، وهو برنامج معرفي، يدمج بين نظريات التأهيل النفسي والعمليات التشكيلية وتقنياتها المتنوعة للاستبصار بالذات والدوافع والحاجات النفسية، والبنى المعرفية وأثرها على سلوكياته والبرنامج التاريخي، والذي يوعي المستفيدين بالتاريخ الإنساني عبر مختلف العصور، مع محاولة ربط الأحداث التاريخية بالأحداث الجارية. البرنامج التدريبي والمهني؛ يهدف إلى إكساب المستفيد المؤهلات العلمية والمهنية التي تساعده فى الحصول على عمل أو تعزيز مؤهلاته الوظيفية بعد التخرج من المركز. البرنامج الرياضي والثقافي: يُعنى بالإسهام فى المحافظة على صحة المستفيد وشغل أوقات الفراغ لديه بما هو نافع ومفيد. البرنامج المفتوح؛ يهدف إلى تعزيز نجاح كافة البرامج التي يقدمها المركز وتحقيقها لأهدافها من خلال الاستفادة من تجارب المستفيدين السابقين وأيضا الشخصيات الاجتماعية المعروفة. برنامج الرعاية اللاحقة؛ يهدف إلى تقديم العون والمساعدة للمستفيدين بما يحقق التوافق الذاتي والاجتماعي والتكيف مع البيئة المحيطة به. وذلك من خلال برنامج رعاية الأسرة الذي يهدف إلى احتواء أسرة المستفيد وتعزيز دورها فى عملية إصلاحه واحتوائه ومساعدته على الاستقامة الفكرية والسلوكية. ويقدم برنامج رعاية الأسرة الدعم المادي والمعنوي والصحي لأسر المستفيدة من خلال إجراء دراسة الحالة، كما يقدم لهم الخدمة الاجتماعية، مما يسهم فى مساعدة المستفيدين فى تجاوز ما يواجههم من مشكلات والإسهام فى إيجاد الحلول لها. ويقدم الإعانة المادية للمفرج عنه عندما تتطلب حالته ذلك، كما يسهم فى جهود إعادة المفرج عنه لعمله السابق أو إيجاد وظيفة جديدة من خلال برنامج التدريب المنتهي بالتوظيف، ويساعد المفرج عنه فى إعادتهم للمؤسسة التعليمية التي كان يتعلم بها وانقطع عنها أو تسهيل حصوله على فرصة تعليمية جديدة، كما سهل لهم الحصول على ما يحتاجونه من وثائق ومستندات رسمية ذات ارتباط بمتطلبات حياته العامة. البرامج الدنماركية لإعادة تأهيل المتطرفين "نموذج آرهوس"؛ حيث يقوم هذا البرنامج على أساسين: الأول؛ نهج عريق ومتكامل معروف فى الدنمارك لمكافحة الجريمة، وفيه ترافق مجموعات من الخبراء والمستشارين النفسيين، والرعاية الصحية، هؤلاء الشباب، بهدف مساعدتهم فى العودة إلى المسار التعليمي أو المهني، والبحث عن إقامة والعودة إلى نمط الحياة اليومية الطبيعية والانسجام مع المجتمع، كما يقدم هذا النموذج فرصة جديدة للشباب من أجل إعادة الاندماج فى المجتمع بدل معاقبتهم مثلما تفعل دول أوروبية أخرى. الثاني: يتمثل فى محاولة الوصول إلى الشباب الذين تظهر عليهم علامات التطرف بهدف العمل معهم من أجل إقناعهم بعدم الذهاب للمحاربة فى سوريا، ويحصل هذا من خلال التعاون بين الشرطة والمدرسين والموظفين الاجتماعيين والأندية الشبابية، حيث تدرب الشرطة هؤلاء للتعرف على العلامات المبكرة للتطرف الديني. برنامج "سياسات استعادة واستيعاب العائدين من سوريا" ويقوم على تعاون الأجهزة الأمنية مع منظمات المجتمع المدني والأجهزة المحلية فى تيسير مزايا اجتماعية ومهنية ودراسية للمتطرف العائد بهدف حثه على نبذ الأفكار الهدامة الدافعة للعنف والتطرف باعتبارها سياسات بديلة عن سياسات الاعتقال وتحديد الإقامة. البرامج الألمانية لإعادة تأهيل المتطرفين "مشروع حياة"؛ هو برنامج يقوم على إعادة تأهيل المتطرف العائد عبر التوازي بين ثلاثة خطوط، وهي: التأهيل الفكري والنفسي والوظيفي. ويهدف الإسراع بدمج العائدين فى الحياة العامة بدلًا من تركهم فريسة للاغتراب المجتمعي الذي قد يعيدهم بدوره إلى التطرف مرة أخرى. "برنامج هاتف" يتعهد البرنامج للراغبين فى نبذ التطرف بمحاولة إيجاد عمل وسكن جديدين لهم فى ألمانيا. ويتعهد البرنامج بالكتمان وبمساعدة المتطرفين الذين يخشون انتقام الجماعات الإرهابية إن هم أعلنوا نيتهم الانسحاب. ويشمل البرنامج أفراد أسر وأصدقاء الذين تأثروا بالخطاب المتطرف. ويمكن لهؤلاء الاتصال هاتفيا أو عبر الإنترنت. ويستخدم البرنامج ثلاث لغات هي العربية والتركية والألمانية.