رئيس مجلس التحرير
د. محمد الباز
رئيس التحرير
وائل لطفى
قراءات
الثلاثاء 22/يونيو/2021 - 03:14 م

«الكتاب الأسود» يرصد ويوثق تأثير المدارس الأيوبية على الأزهر

الكتاب الأسود
الكتاب الأسود
نضال ممدوح
aman-dostor.org/36857

تضاعف انغماس المسلمين فى التناحر المذهبى بعد تدشين المذاهب الأربعة بخلاف الانقسام الأكبر (سنة وشيعة)، وبخلاف ظهور الفرق الأخرى الصغيرة وتدشين كل فرقة وكل مذهب لفقهٍ خاصٍ بأتباعه. قام جامع عمرو بن العاص بدور الجامعة وأصبح الفقهاء والشيوخ يعلمون الناس فيه أحكام الشريعة والفقه والصرف والنحو وغيره.

فى تلك الفترة التى - يراها الشيوخ اليوم ازدهارا ونشاطا علميا- توارت جانبا العلوم الأخرى واضطربت الفنون حتى نصل إلى الغزو الفاطمى وإنشاء الجامع الأزهر فى القرن العاشر الميلادى ليكون بالأساس منبرا مذهبيا لنشر المذهب الشيعى.

يتابع الباحث أحمد الصغير موضحا في كتابه "الكتاب الأسود": ففى العصر الأيوبى أهمل الأيوبيون الأزهر الذى كان يمثل لهم مركز الدعوة الشيعية وأنشأوا المدارس الأيوبية التى تدعوا لمذهبهم وتدرس المذاهب الأخرى.

أنشأ الأيوبيون (المدرسة) أو المسجد الجامع، وهو فى الأساس ابتكار فارسى أدخل سوريا ثم أدخله صلاح الدين لمصر. وكانت تلقى فيها دروس منتظمة مجانية دينية وكان الغرض الأساسى منها تدريس المذهب الشافعى فى القاهرة والإسكندرية. لذلك، فمن الإنصاف ألا نحمل الأزهر حتى ذلك التاريخ مسئولية ما وصلت إليه مصر من انحطاط فى العلوم. ففى الخمسة قرون التى سبقت تصدر الأزهر للمشهد التعليمى فى مصر كانت طبيعة الحكام الجدد وسيرتهم فى الحكم السبب الأوحد لذلك ويتحمل هؤلاء الحكام – كما أفضتُ فى تفصيل ذلك – المسئولية كاملة عن ذلك الانحطاط. كما أنه أيضا ليس من حق الأزهر وقادته الادعاء بأنه هو من أبقى على الإسلام فى مصر! أو أنه علم المصريين الإسلام لأنه بعد خمسة قرون كانت مصر قد أصبحت بالفعل ذات غالبية مسلمة دون أن يكون الأزهر موجودا!

واستكمل: تأثر الأزهر بنشاط المدارس الأيوبية فبدأت به دراسة الفقه على المذاهب الأربعة وبدأت به على استحياء بعض العلوم الأخرى كالحساب والهندسة والفلك. وكانت تلك الفترة هى التى ذاع فيها صيته فى مصر وما جاورها من بلدان كجامعة. وأقيم رواق للطلبة وأصبح الأثرياء يحبسون عليه الأوقاف الكثيرة. وهذه الفترة هى الوحيدة فى تاريخ الأزهر التى يمكن القول بأنه – وبفضل من السياسة الأيوبية فى الحكم والاهتمام بالمدارس – قام بدور تعليمى علمى بخلاف تدريس العلود الدينية. أما قبل ذلك، فهو لم يكن موجودا فى القرون الثلاثة الأولى ثم كان موجودا لقرنين كمنبر مذهبى شيعى.. أما بعد ذلك فقد كان دوره ظلاميا بامتياز. هذه هى حقائق التاريخ.

وتابع الصغير في كتابه: منذ مطلع القرن السادس عشر وحتى الغزو الفرنسى فى نهاية القرن الثامن عشر أى لمدة ثلاثة قرون كان للأزهر الدور الأكبر فى الإظلام الحضارى لمصر. لأنه أصبح هو الجهة الوحيدة فى مصر التى تقدم نوعا من التعليم. فلم يكن متاحا فى مصر أى مدارس أو منابر تعليمية أخرى. فقد أخذ الضعف والجمود يضرب الأزهر منذ مطلع القرن السادس عشر. فتحجرت دراسة اللغة والأدب وأصبحت دراسة الفقه والحديث جامدة تحفظ عن ظهر قلب وأخذت شكلا مظهريا واتخذت شكل الدراسة فى أوروبا فى العصور الوسطى، قائمة على الحفظ والاستظهار. وزالت منه تماما كل العلوم الأخرى إلا قليلا من الحساب للحاجة إليه فى المواريث وبعض الفلك لضبط مواقيت الصلاة.

وأشار إلى أنه فى واقعة تاريخية تلخص الصورة عام1161ھ – 1747م حين تولى الوزير العثمانى (أحمد باشا كور) ولاية مصر وكان يميل إلى دراسة العلوم الرياضية. فلما استمر به الحال فى مصر قابله كبار العلماء ومنهم الشيخ عبدالله الشبراوى شيخ الأزهر. فتكلم معهم فى الرياضيات فقالوا: لا نعلم هذه العلوم فتعجب وسكت.. وفى لقاء آخر بشيخ الأزهر قال له نصا (المسموع عندنا أن مصر منبع الفضائل والعلوم وكنتُ فى غاية الشوق إلى القدوم إليها..فلما جئتُها وجدتُها كما قيل..تسمع بالمريد خيرا من أن تلقاه!) فرد شيخ الأزهر.. يا مولاى هى كما سمعتم معدن العلوم والمعارف..فقال (أين هى؟ وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن بعضٍ فلم تجيبونى، وغاية تحصيلكم الفقه والوسائل ونبذتم المقاصد).. فقال الشيخ (نحن لسنا أعظم علمائها وإنما المتصدرون لقضاء حوائجهم وأغلب أهل الأزهر لا يشتغلون بالرياضيات إلا بقصد الحاجة الموصلة لعلم المواريث) فقال الوالى (وعلم الوقت ذلك من العلوم الشرعية، بل من شروط صحة العبادة؟) فقال الشيخ (نعم لكن من فروض الكفاية إذا ما قام به البعض سقط عن الباقين..وهذه العلوم تحتاج إلى آلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبع وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل..وأهل الأزهر غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى فيندر فيهم القابلين لذلك.. فقال (وأين البعض؟)..فقال الشيخ (موجوين فى بيوتهم)..ثم أخبره عن الشيخ الجبرتى والد المؤرخ المعروف!).

ويردف "الصغير": هذه الواقعة التاريخية تلخص الأزمة والمنحدر الذى وصلتْ إليه مصر فى تلك القرون.. ورؤية شيخ الأزهر لباقى العلوم وأنها فقط لخدمة العلوم الشرعية وكأن الحياة لا وجود لها.. وهذا ما قاد إلى المشهد المؤلم الذى وصفتُه بدخول الغزو الفرنسى لمصر. لذلك لا يحق لشيوخ الأزهر الآن أن يحدثوننا عن دور الأزهر التنويرى قبل الغزو الفرنسى.. فهذا مجرد وهم لا وجود له تاريخيا!

وأكد أنه لم يكن الأزهر يتحمل المسئولية التاريخية الأولى فى القرون الأولى بعد الغزو، لأنه لم يكن موجودا، فإنه يتحمل المسئولية التاريخية كاملة عن الفترة التى تصدى فيها للمشهد التعليمى فى القرون الثلاثة السابقة للغزو الفرنسى وهى مسئوليته عن تخلف مصر العلمى.