رئيس مجلس التحرير
د. محمد الباز
رئيس التحرير
وائل لطفى
قاعدة بيانات
السبت 19/يونيو/2021 - 02:35 ص

عندما مكن مجلس المحاكم الإسلامية الحركات المتشددة من زيادة نفوذها فى شرق إفريقيا (3 ــ 3)

عندما مكن مجلس المحاكم
نضال ممدوح
aman-dostor.org/36843

بينما عدلت الحركات الإسلامية الإريترية عن مفهوم الجهاد، فإن التطورات في الصومال تجري في اتجاه معاكس إلى حد ما. ويكشف التاريخ المبكر للإسلاميين الصوماليين عن أنهم كانوا منقسمين بين مجموعتين إحداهما موالية للإخوان الإرهابية والثانية تستلهم الفكر الذي يستند إلى السلفية السعودية.

يقول الباحث في الحركات الإسلامية سامح عيد: تركز المجموعة الأولى على رفع مستوى الوعي والتعليم والسعي لإحداث تغيير اجتماعي، بينما تركز الثانية على إصلاح الأمور الدينية. فحركة الإصلاح مثلا كانت مجموعة ترتبط بفكر الإخوان استمرت في هذا النهج المتدرج، ورفضت اللجوء إلى العنف وتبنت مفهوم الديمقراطية الليبرالية. أما السلفيون فمازالوا ملتزمين بتحقيق نقاء الإسلام إلى جانب انتقالهم نحو الكفاح المسلح، آخذين في الاعتبار فكرة الجهاد كنقطة مرجعية لعملهم.

وتابع: قد أدت قضية الكفاح المسلح التي ظهرت على السطح في مطلع التسعينيات إلى حدوث انشقاقات داخل الاتحاد الإسلامي؛ خاصة بعد تزايد أعداد العائدين من الجهاد الأفغاني، وبالتالي تزايد نفوذهم، وتسلم حسن ضاهر عويس قيادة الجماعة؛ ما جعل الميليشيات المسلحة صاحبة اليد العليا. فقد تبنت جماعة الاتحاد الإسلامي إثر ذلك برنامًجا إسلامًّيا سياسًّيا واضحا يهدف لإقامة دولة إسلاميةُ حكم بمقتضي الشريعة الإسلامية. وبالرغم من الإشارات المتكررة لفكرة الجهاد وتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية للجماعة ضمن الإرهاب العالمي إلا أنها لم تتبّن أجندات الإرهاب العالمي، وكان ينظر إلى تعاظم نفوذ اتحاد المحاكم الإسلامية في وسط الصومال خلال التسعينيات على أنها دليل واضح للزحف الإسلامي في الصومال، ولكن الحركة بقيت غير متجانسة إلى حد كبير وأخذت تستمد دعمها من أطياف عدة ضمت أتباع الطرق الصوفية والسلفيين ورجال الأعمال وأتباع الإخوان المسلمين. ونظرا لضعف البنية التنظيمية للحركة فإن مختلف المحاكم ظلت تحتفظ بمرجعياتها الفكرية المتباينة، وقلة منها كان يمكن تصنيفه على أنها إسلامية متطرفة.

واستكمل: كما أن تشكيل مجلس موحد للمحاكم الإسلامية في 2000، مكن الحركات الإسلامية من زيادة نفوذها بشكل فعال. فحسن ضاهر عويس الذي أقام العديد من المحاكم الشرعية في غرب مقديشيو ومنطقة أمريكا وتولى قيادتها، تمكن من نشر أفكار مماثلة لتلك التي كانت تتبناها جماعة الاتحاد الإسلامي. وأسفر هذا عن توترات برزت على السطح مابين 2004- 2006، بين الجناح الأساسي الذي كان يترأسه رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية الشيخ شريف شيخ أحمد والمليلشيا المنشقة برئاسة حسن ضاهر عويس. واستمر هذا الصراع في ظل التطورات التي أدت إلى التدخل الإثيوبي في عام 2006م، والذي على إثره فضل الشيخ شريف شيخ أحمد التفاوض مع الحكومة الانتقالية الفيدرالية وعارض أي هجمات ضدها.

واستطرد عيد: إن بروز الحركات الإسلامية الصومالية قد ترافق مع فكرة وحدة عموم الصومال. فقد نظر إلى المشاركة المبكرة للاتحاد الإسلامي في الكفاح من أجل تحرير إقليم "أوجادين"، وارتباط الجماعة بجبهة تحرير أوجادين كان بدافع الرغبة في إعادة توحيد الإقليم الذي تحتله إثيوبيا مع الصومال الأم. وكان هذا جليا في التطورات التي قادت إلى التدخل الإثيوبي 2006. فقد استخدمت كلمة الجهاد في مواجهة إثيوبيا، وكانت المشاعر القومية واضحة بجلاء في البيان الشهير الذي أصدره حسن ضاهر عويس في 17 نوفمبر 2006، والذي قال فيه: "سوف لن نألو جهًدا إلا بذلناه من أجل توحيد أشقائنا الصوماليين في كينيا وإثيوبيا٬ ولتمكينهم من استعادة حريتهم والعيش مع أشقائهم في أرض أسلافهم الصومال".

وفي تناغم مع صد "الصومال الكبري" رفع البعد الديني من وتيرة الحماس في أوساط الصوماليين، وهما بعدان يرى فيهما الإثيوبيون العدو اللدود لهم لطالما صورهم الصوماليون على أنهم كفار يفرضون هيمنتهم على السكان المسلمين. وكان هذا أقل من شن جهاد عالمي، ولكنه مسعى يهدف إلى استعادة استقلال الصومال وتوحيد الشعب الصومالي في إطار دولة إسلامية. وهكذا أجج التدخل الإثيوبي في ديسمبر 2006 المشاعر القومية الصومالية النابضة بالحياة والتي تمكنت الجماعات الإسلامية على أساسها من اجتذاب أعداد كبيرة من الشباب الصومالي خلال عام 2006. ولكن عندما انسحبت القوات الإثيوبية من الصومال في يناير 2009 ترك معظم هؤلاء الشباب الكفاح المسلح.

واستكمل: بالرغم من إصرار حزب الإسلام على إنهاء نظام الحكومة الانتقالية الفيدرالية إلا أنه كان أكثر إيجابية في قبوله لقرار الحكومة لتطبيق الشريعة في الصومال. ومن الواضح أن الوطنية والإسلامية في الصومال ترتبطان بأبعاد عشائرية وهي أكثر الجوانب تعقيدا في المجتمع الصومالي، وبينما حاولت العديد من الجهات الإسلامية الفاعلة كالاتحاد الإسلامي واتحاد المحاكم الإسلامية والشباب إقصاء العشائرية كأساس لتنظيماتهم، إلا أن العشائرية أثبتت أنها أقوى من أن تتجاوزها الحركات الإسلامية التي تسعى إلى جعل الإسلام نقطة للالتقاء والانطلاق. وظلت بعض الجماعات الإسلامية في أحيان كثيرة أسيرة لأطر عشائرية بعينها؛ ولهذا لم يتجاوز نفوذها إطار تلك العشائر. فحركة الشباب مثلا تشكلت من فرعل عشيرة "هبرقيراير"، ومع أنها حاولت توسعة نفوذها إلا أن قيادتها من هذه العشيرة ظلت تسيطر على الأمور. وفي حالات أخرى كانت الجماعات الإسلامية التي تتمكن من السيطرة على بعض المقاطعات تضطر إلى الخضوع للتركيبة العشائرية القائمة في المنطقة لضمان استمرار سلطتها في المنطقة.

وتابع: تحت تأثير شخصيات لها خبرات قتالية في أفغانستان، تبنت حركة الشباب فكًرا سلفيا جهاديا، أطر كفاحها المسلح بجلاء ضمن الحركات التي تصنف بأنها حركات جهادية وجعلها حليفة لتنظيم القاعدة. وينظر إلى التطورات التي شهدتها ولاتزال تشهدها المنطقة مثل الحرب في العراق وأفغانستان والأحداث في فلسطين وقتال الحركة ضد الحكومة الفيدرالية الانتقالية الصومالية وضد القوات الإثيوبية وقوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال؛ على أنها إطالة لأمد الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية والقوات الغربية.

ويعتقد البعض أنها هناك نوًعا من الخلاف بين قيادة حركة الشباب المجاهدين حول قضية الجهاد. فبينما يرى أن الجهاد شيء راسخ في فكر حركة الشباب، ينظر إلى الحركة على أنها غير متجانسة، وأن هناك فوارق بين وجهات نظر قياداتها وضباط وجنود الصف فيها.

تزايدت التوترات في صفوف الشباب في الفترة الأخيرة وخاصة بعد استهداف حفل تخريج أطباء في فندق شامو بمقديشيو في ديسمبر 2009 راح ضحيته وزراء صوماليون. وقد أدين الحادث (الذي أسفر عن مقتل خمسة وعشرين شخصا بينهم ثلاثة وزراء تابعين للحكومة الفيدرالية الانتقالية) من قبل الصوماليين عامة وبعض الشخصيات التابعة لحركة الشباب التي أثار غضبها مقتل مدنيين في الحادث. ووفًقا لتقرير جماعة الرصد في الصومال؛ هناك انقسامات متزايدة في صفوف قيادة الشباب، وخاصة بين جناحين يحث أحدهما على شن حرب جهادية وآخر يدعو إلى الانفتاح وإجراء حوارات سياسية. ويذهب البعض الآخر إلى أبعد من هذا ليؤكد حقيقة حدوث انقسام في حركة الشباب إلى شطرين، انبثقت عنه جماعة تعرف باسم ميلاتو إبراهيم.

ويلاحظ أن الفوارق الفكرية في الصومال تكاد تكون هشة، حيث نجد المؤيدين لهذه الحركات يتحولون بتأييدهم من مجموعة إلى أخرى. والسبب الأهم وراء هذا يعود إلى استمرار الولاء العشائري - كمنافس للانتماء الديني - إلى جانب قضية أمراء الحرب والطريقة التي أثرت بها الحرب الأهلية على التركيبة الدائمة للحركات الإسلامية. فبينما يعتقد بأن لهذه الأوضاع تأثيًرا على الخلافات الفكرية بالمعنى التقليدي إلا أنه قد تكون هنالك حاجة لطريقة أكثر فعالية تنظر إلى الأمر على أنه عمليات محلية، ولاستكشاف كيف تؤدي حقائق اجتماعية بعينها إلى ظهور فئات فكرية إضافية تتولد عنها فوارق أخرى وتؤثر على التمييز بينها.