«لا ينتمى للإسلام».. قصة باحث إنجليزى ينفى وجود فروقات بين السنة والشيعة

ترجع أهمية كتاب "ورثة محمد.. جذور الخلاف السني الشيعي" للمؤلف الإنجليزي برنابي روجرسون وترجمة دكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ بتعليق الدكتور عبدالمعطي بيومي والصادر ضمن مشروع مكتبة الأسرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب إلى أن مؤلفه لا ينتمي للإسلام أو العرب، ومن ثم فيمكننا ضمان حد أدني من الموضوعية بعيدا عن الانحياز لأحد المذهبين الشيعي أو السني.
يتكئ الكتاب على مبدأ شديد الأهمية اكتشفه "روجرسون" في الخلاف بين المذهبين الشيعي والسني ألا وهو انعدام الفروق حول المبادئ الأساسية الدينية التي تقوم عليها الديانة الإسلامية خاصة فيما يتعلق بالشعائر والطقوس العقائدية، فكما يعترف السنة بالصورة التي وصل لنا بها القرآن الكريم كذلك يعترف به الشيعة، وكما يلتزم الشيعة بأركان الإسلام الصلوات الخمس في اليوم الصوم والحج فكذلك يؤمن السنة. وحتي تلك المسائل الخلافية بين المذهبين لا تمنع أن تري معتنقي المذهب السني في رحاب أضرحة آل البيت وضرب مثلا عن تلك البلاد التي تعتنق المذهب السني لكنك تجد أهلها في زيارات للحسين أو السيدة نفيسة أو السيدة زينب.
لا يستوعب عقل الإنجليزي "روجرسون" ذلك الصراع الدموي بين معتنقي المذهبين الشيعي والسني ولا يري مرجعا لتلك الفوارق بينهما إلا لها جذور سياسية واجتماعية مشروعة، أما الفروق الدينية فهي وهمية لا وجود حقيقي لها وأن كلا التراثين الشيعي والسني هما في الحقيقة يمثلان عقيدة ودينا واحدا.
يحاول المؤلف رتق الشقاق الذي أصاب تلك العقيدة فمزقها إلي مذهبين من خلال تتبع الثقافة الإنسانية التي أفرزت كلا المذهبين، فبينما كان أهل مكة يميلون إلي الاقتصاد الريعي القائم علي التجارة والسمسرة والوساطة والترحال نظرا لطبيعة البيئة الصحراوية القاحلة التي أحاطت بهم، في حين كان أهل المدينة كغيرهم من سكان الحضارات النهرية أو التي تقوم حول منابع المياه يميلون للاقتصاد القائم علي أصول وثروات عينية ثابتة مثل الزراعة والصناعة القائمة علي العمل اليدوي ولا ينظرون خارجها كأهالي مكة٬ لذا كان من طبائع الأمور أن يميل الأنصار أو أهل المدينة إلي علي ابن أبي طالب حينما اشتد الصراع بينه وبين عائشة لما له من ارتباط بحياتهم٬ فعندما هاجر الرسول إلي المدينة آخي بين الأنصار والمهاجرين واختار ابن عمه عليا ليؤاخيه فكان علي "علي بن أبي طالب" أن يعمل ليكسب قوت يومه الذي يشارك فيه النبي٬ ولأن علي لم يكن قد اشتغل بالتجارة وقضي جل حياته قبل الرسالة في بيت الرسول يتعلم القراءة والكتابة لذا فقد اتجه لأعمال عديدة في المدينة فعمل صانع للحصر والسلال٬ وكان يجلس بجانب الآبار ليسحب الماء منها مقابل التمر كما اشتغل مساعد بناء يحمل الطوب للبنائين وصانع حصير وسلال٬ اشتغال علي بهذه الأعمال جعله مرتبطا بأهل المدينة وعمالها٬ بهمومهم وقضاياهم وسرعان ما كان مدافعا عن حقوقهم.
يؤكد "روجرسون" على جو الانفتاح العقائدي الذي ساد مناخ المدينة قبل هجرة الرسول إليها فكما سمح هذا المناخ في تجاور اليهودية جنبا إلي جنب مع الصابئة تقبل تواجد الإسلام كديانة جديدة لم تحاول في بداياتها فرض اعتناقها علي أحد ولم يجبر الرسول أحدا علي الانضمام إليه فيما بعد في غزواته كما في غزوة أحد هو فقط كان يحض أهل المدينة علي التطوع لكنه لم يحاول إحراجهم أو إصدار أوامر لهم فقد كان حكمه للمسلمين في المدينة ذا نزعة روحية دينية ولم يكن حكما مطلقا بأية حال من الأحوال.
ربما كانت الطبيعة الزراعية التي صبغت ثقافة مجتمع المدينة أثرا في أن تفسح المجال لاستمرار المجتمع الأمومي الذي كان قد كادت ملامحه تنطمس إلا في مناطق معدودة من العالم القديم منها المجتمع المديني حيث كان حوالي نصف سكان المدينة يتتبعون أنسابهم ليرجعوها إلي أمهاتهم أو جداتهم كما جرت العادة أن يرث أبناء الأخت أخوالهم وإن كان ساد انقسام مجتمع المدينة فوضي سياسية علي خلفية التعقيدات والخلافات الناشبة بين ثماني عشائر كبيرة كان أشهرها عشيرتي الأوس والخزرج٬ علي النقيض من هذا التمزق السياسي كانت ميزة مكة الوحيدة هي براعة قيادتها السياسية التي نجحت في تقديم نفسها بوجه موحد للعالم الخارجي رغم التنافس بين عشائرهم.
ـــ صراع زوجات النبى جذر من أهم جذور الخلاف السنى الشيعى
ربما لن يتقبل الكثير من المسلمين سواء كانوا سنة أو شيعة إرجاع أحد الأسباب المهمة وربما المختلفة في الدين الإسلامي قسمته إلي مذهبين لكنه جذر لا يمكن التغاضي عنه ألا وهو الناتج عن صراع زوجات النبي وتخندقهم في فرق تتزعم كل فرقة أو محور فيها زوجة من زوجات الرسول، ففي مقابل الفريق الذي ضم كلا من عائشة وحفصة التي لم تكن موضع غيرة عائشة حيث كانت امرأة جادة تجيد القراءة والكتابة تنقصها الجاذبية كمتحدثة في المجمل لم تكن تمثل تهديدا لمكانة عائشة لدي النبي٬ ثم سرعان ما توسع هذا المحور فضم إليه صفية بنت حيي التي صادقت عائشة رغم جمالها الشديد٬ وانضمت إليهن رابعتهن "سودة بنت زمعة" والتي كانت توفر دخلا ماليا للبيت النبوي من عملها في صناعة السيور الجلدية والمخدات والسروج المزينة٬ حلف أو محور عائشة حفصة لمجابهة فريق أم سلمة التي ضمت لمحورها فاطمة بنت النبي وكان التقارب بين أم سلمة وفاطمة تقاربا طبيعيا لعوامل مشتركة بينهما، فالمرأتان كانتا مسئولتين عن تربية أبناء ثم انضمت لحزب محور أم سلمة وفاطمة أم حبيبة بنت أبي سفيان والذي كان زواجها من الرسول بدافع سياسي يمهد لأساس تفاوضي بعقد تحالف مصاهرة مع زعيم مكة أبو سفيان.