رئيس مجلس التحرير
د. محمد الباز
رئيس التحرير
وائل لطفى
قراءات
الجمعة 04/يونيو/2021 - 05:03 م

«البطن قلابة».. حكاية الشقيقين جمال وحسن البنا مؤسس الإرهابية

جمال وحسن البنا
جمال وحسن البنا
نضال ممدوح
aman-dostor.org/36793

وكأنما المصادفة التاريخية التي جعلت من الشقيقين جمال وحسن البنا أكبر دليل علي صدق المثل الشعبي بعبقريته وبساطته "البطن قلابة"٬ فالبطن التي حملت حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية قيض لها أيضا أن تحمل شقيقه الأصغر "جمال" والذي عرف بأنه مفكر العواصف والمعارك، الذي كشف ألاعيب الجماعه وعالمها السري. وفي كتابه "جناية قبيلة حدثنا" اختار البنا الصغير نهج رواد التنوير المصريين بدءا من الإمام محمد عبده والشيخ علي عبد الرازق مرورا بـ الدكتور طه حسين وسلامة موسي وليس انتهاء بـ فرج فودة والدكاترة نصر حامد أبو زيد٬ حسن حنفي٬ وسيد القمني.

ينطلق جمال البنا في كتابه "جناية قبيلة حدثنا"٬ من فكرة تحريم كتابة الأحاديث الشفوية التي تناقلها المحدثون عبر مائة وخمسين عامًا قبل أن يبدأ التدوين تحديدا في عهد النبي والخلفاء الراشدين وإن من كتب شيئًا فإنما يكون بفكرة أن يحفظه وبعد ذلك يتخلص منه، وأن عمر بن الخطاب بعد أن ارتأى تدوينها ظل يستخير الله شهرًا ثم خرج وقال: إنه ذكر أقوامًا وضعوا كتبًا وانكبوا عليها، "وأنا لا أشرك بكتاب الله شيئًا"، وبجانب تحريم التدوين فإن الوصية المؤكدة والمكررة كانت هي الإقلال من الرواية، ولا يوجد لأكبر الصحابة وأعظمهم إلا أحاديث معدودة بحيث يمكن القول إن جملة الأحاديث التي كانت تدور في المدينة قلما تزيد على خمسمائة.

ولأن جمال البنا كان يدرك الأجواء المتربصة من أحفاد "الفرقة الناجية" وتنصيبهم لأنفسهم قيمين علي الدين وأتباعه٬ وإخراج الكتاب عن معناه ومقاصده يوضح في مقدمة كتابه طبيعة وصفه "سدنة" رواية الأحاديث للدرجة التي جعلت منهم قبيلة قائلا:"قبيلة حدثنا هى الفئة التى احترفت احترافًا رواية الأحاديث، وبحكم هذا الاحتراف وطبيعة حدثنا فإنها أخذت صفات وخصائص مميزة تجعلهم قبيلة فعلًا، وما قد لا يخطر للقارئ أننا لا نتحدث عن السُـنة لأن السُـنة هى المنهج والطريقة، فهى ذات طابع عملى فى حين أن الحديث له طابع قولى، وبهذا تكون السُـنة هى عمل الرسول وليس قوله٬ ولا أعتقد أن هناك من ينكر السُـنة العملية، فمنها تعرف المسلمون على طريقة الصلاة والزكاة ومناسك الحج، وتسعة أعشار من يطلقون عليهم منكرى السُـنة لا ينكرون السُـنة، وإنما يتحفظون على الألوف وعشرات الألوف ومئات الألوف من الأحاديث، وقد أصبح إنكار السُـنة مثل عداء السامية نوعًا من الإرهاب الفكرى".

قسم جمال البنا كتابه كالتالي:

ــ تحريم الرسول والخلفاء الراشدين الأربعة من بعده تدوين الأحاديث: وفيه يؤكد جمال البنا بما ساقه من دلائل وأحاديث نبوية تشير إلي كراهة التدوين وعدم الكتابة عن الرسول منها ما رواه مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى أن النبى قال: (لا تكتبوا عنى شيئًا فمن كتب عنى شيئًا غير القرآن فليمحه، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)٬ واستمر تحريم ومنع تدوين الأحاديث خلال عهد الخلفاء الراشدين الأربعة٬ روت السيدة عائشة أن أباها قد جمع الحديث عن رسول الله وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرًا، فغمها ذلك، وقالت له: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أى بنيـة هلمى بالأحاديث التى عندك، فجاءته بالأحاديث، فدعا بها فحرقها، فقالت عائشة: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهى عندى فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت فيه ولم يكن كما حدثنى فأكون قد نقلت ذلك.

ـــ التحول الذي شهدته رواية الحديث من الشفاهي إلي الكتابي:
مع توسع الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا ووصول المسلمين لأقصي بقاع الأرض مما نتج عنه اختلاط بجنسيات وملل وألوان مغايرة من البشر بما لهم من ثقافات متباينة عن الثقافة الصحراوية القائمة علي الترحال والتنقل من مكان لآخر وراء الماء والكلأ٬ تحولت الدعوة الإسلامية من رسالة إلي دولة وسرعان ما تمددت لتصبح إمبراطورية عظمى من إسبانيا حتي الصين ومن سيبريا حتي السودان، ومع انتهاء حكم الخلافة ليصبح ملكا وراثيا علي يد معاوية بن أبي سفيان وما شهدته هذه الحقبة من دموية وقمع واستبداد مما انعكس أثره السلبي علي العقيدة الإسلامية نفسها لدى معتنقيها.. يقول جمال البنا:"حكم الطغاة وإشاعة الإرهاب أذلت النفوس، وأفقدت الناس حرية الإرادة، وأفقدت الإسلام الصحيح في النفوس وقضت علي إرادة التحرر والتسامي، وحلت محلها الطقوس والمظاهر والشكليات، وهيأت النفس التي لم تعد أبية ــ حرة ــ لتقبل الصور العديدة من الغزو الفكري،وللخضوع لإرادة الأحكام، وعندما يستمر ذلك عهودًا فإن النفس تألف كل صور الزيف والتحول، ولا تري زيفًا أو تحولًا وتبلغ الدرجة التي تري فيها المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، فانطلي عليها كل ما وضعه الكائدون للإسلام، وتقبلت كل ما فرضه الحكام من أحكام، وإن كان فيها ما يخالف القرآن وما يسيء إلي الرسول"ودشنت مرحلة البحث عن الأحاديث لازمها الترخص في قبوله، فبعد أن كانت هناك شروط صعبة للحديث الصحيح الذي يؤخذ منه الحكم بدأت الاستثناءات والتنازل ثم إلحاق الحديث الحسن بالحديث الصحيح والتحايل علي الحديث الضعيف وإلحاق الكثير منه بالحديث الحسن، ومن ثم بالحديث الصحيح٬ حتي الوصول لمرحلة الأحاديث الموضوعة والكاذبة ونسبتها إلي النبي وهو ما اعتبره البنا "جناية قبيلة حدثنا" ليس علي الرسول وحسب وإنما علي العقيدة ومعتنقيها أيضا.

وأدرج البنا عدة أحاديث والتي استند إليها الفقهاء فيما بعد في تقنين التشريع وصارت قوام الفقه جيلا بعد جيل بين من تناولوا الفقه الإسلامي٬ ومنها أيضا خرجت الأفكار الشاذة المتطرفة التكفيرية٬ منها حديث "من بدل دينه فاقتلوه"، وهو الحديث الذى رفضه الإمام مسلم، لأن شبهات كانت تحوط راويه عكرمة البربري مولي ابن عباس، جعلته لا يدخل له حديثًا فى صحيحه، وقد كانت هذه شبهة كبيرة تؤدى إلى استبعاده، خاصة أنه يقضى بالكفر وبالإعدام على من يرتد، ولكن لم يكن المطلوب عقاب المرتد، لأن هذا بعد أن تدعم بنيان الإسلام كان أمرًا مستبعدًا، أما الذى جعل قبيلة حدثنا تتمسك بهذا الحديث ــ وحسب البنا ــ حماية للعهد والنظام القائم من أى ناقد أو معارض، خاصة بعد أن أبدعوا صيغة "من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة"، فهنا ينفتح الباب لوصم كل معارض بأنه جحد معلومًا من الدين بالضرورة، وقضى هذا الحديث على حرية الفكر أو قل إنه أغلق الباب أمامها.

وحديث "الأئمة من قريش" هذا الحديث الذى حصر الخلافة فى قريش، كأن قريش ستدوم أبد الدهر، فضلًا عن منافاته لأصول الإسلام التى لا تمالى جنسًا ولا قبيلة ولا أسرة وتقول: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، و"لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى" فجاء هذا الحديث ليحصر الحكم فى قبيلة كانت أولًا الأسرة الأموية، ثم كانت الأسرة العباسية التى انتهى الانتماء إليها ملوك الترك.

ومع الخلاف الكبير بين السُـنة والشيعة، فإن الشيعة تؤمن بأن الحكم هو فى أبناء عليِّ بن أبى طالب من فاطمة وهو صورة من تركيز وبلورة فكرة الأئمة من قريش. وجاءت قبيلة حدثنا بحديث "لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، فاستبعد وجود المرأة فى العمل العام، وقضى عليها بأن تحبس داخل جدران منزلها، وأن راوى هذا الحديث اتهم بالقذف، وأوقع عليه عمر بن الخطاب حده، ورفض التوبة فاستحق أن ينطبق عليه قول الله: "وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا". وأن الله تعالى أثنى على ملكة سبأ وأنه قال: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".

ويؤكد جمال البنا: لم تقتصر جناية "قبيلة حدثنا" علي الافتئات علي حق الرسول في الأحاديث الكاذبة المغلوطة التي ادعوا نسبتها إليه، إنما تطاولوا علي العقيدة فأفسدوها بما نسبوه إليها وليس فيها علي سبيل المثال قولهم بأن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد فى نار جهنم أبدًا، وأن أصحاب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة، ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم، ولا شفاعة فإنهم إن دخلوا النار لا يخلدون فيها٬ ووضعوا مبدأ النسخ وأن هناك آية واحدة يطلقون عليها آية السيف نسخت كل آيات الصفح.