هكذا كانت «الجوالة» حقلًا يلتقط منه حسن البنا رجال التنظيم الخاص للجماعة (تقرير)

كشف الدكتور رفعت السعيد في كتابه "تاريخ جماعة الإخوان"٬ عن أن حسن البنا قد بذل جهده واهتمامه من أجل دعم الجوالة والكشافة٬ ولم يكن الهدف الأساسي للجوالة مجرد تكوين أداة ردع منظمة علي أساس عسكري وانضباط صارم٬ وإنما كانت أيضا حقلا تتابع فيه أعين المرشد العناصر الأكثر حماسا وإخلاصا والأكثر طاعة وتلتقطها لتودعها في نواة خاصة.
واستخدم البنا جوالته في مظاهرات صاخبة كثيرا ما هتفت بحياة الملك٬ واستخدمها أيضا في حراسة تجولاته ومؤتمراته واجتماعاته٬ واستخدمها أيضا لإرهاب الخصوم السياسيين بالقوة البدنية في أول الأمر (وهو ما يذكرنا باستعراض أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية في جامعة الأزهر سبتمبر2007) ثم بالرصاص والقنابل بعد ذلك٬ الأمر الذي دفع حزب الوفد إلي توجيه إنذار إلي حكومة صدقي في عام 1946 بأنها ما لم تحل هذه التنظيمات شبه العسكرية فإنه سوف يأخذ القضية بين يديه ويعرف كيف يسكت دعاة العنف والشغب.
ويستدرك "السعيد": الغريب في الأمر أن وجود الجوالة كان في حد ذاته منافيا للقانون٬ ففي 8 مارس 1938 أصدرت حكومة محمد محمود باشا قانونا يحظر قيام الجمعيات أو الجماعات التي يكون لها سواء من حيث تأليفها أو عملها أو من حيث تدريب أعضائها ونظامها أو زيهم أو تجهيزهم صورة التشكيلات شبه العسكرية. أي أن جوالة الإخوان كانت ضد القانون العام والخاص علي السواء٬ ومع ذلك سمح ببقاء هذا الجيش حتي في وقت الحرب٬ في الوقت الذي طبق فيه هذا القانون علي فرق القمصان الزرق٬ وفرق القمصان الخضر. ولعل هذا يفسر حرص حسن البنا علي استخدام الجوالة استخداما سافرا لصالح السراي والقوي الحاكمة٬ إذ دون إشعار السلطة أن الجوالة في خدمتها٬ تكون هذه الفرق عرضة للإلغاء وفقا للقانون.
ويشير أحد قادة الجماعة إلي أن البنا قد كون مجلسا أعلي للجوالة من سبعة أعضاء برئاسته وعين الصاغ محمود لبيب مفتشا عاما٬ وبدأ المجلس نشاطه بإنشاء مدرسة للمدربين تخرج فيها 35 مدربا بعد شهرين٬ ثم انطلق هؤلاء المدربون يشكلون الجماعات ويدربونها٬ وعند نهاية الحرب بلغ تعداد الجوالة 45 ألف جوال.
وقد اهتم حسن البنا بالجوالة أساسا لأنها كانت حقلا يلتقط منه رجال التنظيم السري الخاص٬ وهو ما يؤكده اعتراف عبد المجيد حسن قاتل النقراشي أدلي به أثناء التحقيق٬ إذ قال: إن انتقاله من نظام الجوالة بالإخوان إلي النظام الخاص قد تم دون أن يحس تغييرا طرأ علي وضعه لاتفاق النظامين في التدريبات وأسلوب التعامل والعلاقات داخل التنظيم. ويؤكد السعيد: "تلك هي القضية الأساسية٬ كانت الجوالة مجرد وعاء أو مرحلة أو مصفاة تقود الأخ الأكثر انضباطا والأكثر طاعة والأكثر حماسا٬ إلي ما سمي النظام الخاص".
ويلفت السعيد إلي أن: نشأة النظام الخاص قد صاحبها إحداث تغييرات جذرية في الهيكل التنظيمي للجماعة٬ الذي تقرر أن يسير في ثلاثة خطوط متوازية كل منها له أسلوبه وقواته ومناهجه وقيادته كالتالي:
ــ نظام الأسر ويضم الأعضاء العاديين٬ وهو الوعاء الأساسي لعضوية الجماعة.
ــ نظام الجوالة: ويضم الأعضاء الأكثر حماسا والأكثر استجابة والأكثر طاعة.
ــ النظام الخاص وهو جهاز سري٬ مطلق السرية يتكون من شعبتين: التشكيل المدني وقسم الوحدات. ويتبع الجهاز السري عدد من التشكيلات المتخصصة مثل "جهاز التسليح" و"جهاز الأخبار"٬ ويعتبر الأخير بمثابة جهاز المخابرات الخاص للجماعة٬ وقد استخدم في الفترة الأولي للتسلل إلي صفوف التنظيمات الشيوعية٬ وجمع أكبر قدر من المعلومات عنها.
وقد وضع البنا واحدا من أخلص خلصائه علي رأس هذا الجهاز وهو "عبد الرحمن السندي"٬ وكان محمود عبد الحليم قد تولي رئاسة الجهاز في البداية ثم تنحي عنها. وينقسم النظام إلي "جماعات"٬ الجماعة مكونة من خمسة أشخاص٬ والشعبة بها عدة جماعات وكل جماعة يرأسها مسئول وتتدرج علي نظام هرمي يرأسه عبد الرحمن السندي٬ ومعظم هذا النظام في القاهرة٬ وقد توجد مراكز أو مناطق إدارية تخلو من هذا النظام مثل أسوان٬ وذلك لأنها بعيدة ولا يتيسر لها فهم أغراضه.
ويتدرب أعضاء النظام الخاص تدريبا عسكريا قاسيا وعنيفا ويعتادون الطاعة التامة والاستعداد للتضحية٬ وبعد أن ينتهي التدريب يقسم العضو يمين البيعة: أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان مجاهدا في سبيل الله علي السمع والطاعة في المعروف٬ وأن أجاهد نفسي ما استطعت.
وفي المراحل الأولي كان قسم البيعة يتم وفق مراسم خاصة (في حجرة شبه مظلمة٬ مفروشة بالحصير ويتم القسم علي المصحف والمسدس) وكان يكتسب مذاقا خاصا إذ كان يتم عادة بين يدي حسن البنا نفسه. ويتباهي أحد قادة الجهاز السري هنداوي دوير: "أنا أقسمت لحسن البنا شخصيا."