رئيس مجلس التحرير
د. محمد الباز
رئيس التحرير
وائل لطفى
وجهات نظر
الثلاثاء 01/يونيو/2021 - 02:10 م

هذا ما قاله نجيب محفوظ عن "التصوير الفني في القرآن الكريم" لسيد قطب!

سيد قطب - ارشيفية
سيد قطب - ارشيفية
بشري عبدالمؤمن
aman-dostor.org/36778

أن يتناول النقاد أعمال نجيب محفوظ فهذا طبيعى أما أن يحتل الكاتب الكبير مقعد الناقد فهو أمر غير معهود، ويزداد هذا الموقف غرابة إذا علمنا أن العمل الذي جذب اهتمامه كان لسيد قطب، حدث هذا عند صدور كتاب "التصوير الفنى في القرأن الكريم" لسيد قطب ونشر في مجلة الرسالة عام 1945.

فكتب نجيب محفوظ مقالا بعنوان "بارك القرآن مجهودك" في أخبار الأدب بتاريخ 14\6\1998 موجها حديثه لسيد قطب ويقول فيه: "قرأت كتابك (التصوير الفنى فى القرآن) بعناية وشغف، فوجدت فيه فائدتين كبيرتين. أولاهما للقارئ: خصوصا القارئ الذى لم يسعده الحظ بالتفقه فى علوم القرآن، والغوص إلى أسرار بلاغته، بل حتى هذا القارئ الممتاز لاشك واجد فى كتابك نورا جديدا ولذة طريفة، ذلك أن كتابا خالدا كالقرآن لا يعطى كل أسراره الجمالية لجيل من الأجيال مهما كان حظه من الذوق وقدره فى البيان، فللجيل الحاضر عمله فى هذا الشأن، كما سيكون للأجيال القادمة عملها".

يواصل نجيب: "والمهم أنك وفقت لأن تكون لسان جيلنا الحاضر فى أداء هذا الواجب الجليل الجميل، معا، مستعينا بهذه المقاييس الفنية التي يألفها المعاصرون ويحبونها ويسرون فى وادى الفن على هداها ونورها. إن عصرنا -من الناحية الجمالية- عصر الموسيقى والتصوير والقصة، وهأنت ذات بين بقوة والهام أن كتابنا المحبوب هو الموسيقى والتصوير والقصة فى أسمى ما ترقى إليه من الوحى والإبداع. ألم تقرأ القرآن؟ بلى وحفظنا - فى زمن سعيد مضى- ما تيسر من سوره وآياته، وكان فى وجداننا سحر، بيد أنه كان ذاك السحر الغامض المغلق، تحسه الحواس، ويهتز له الضمير، دون أن يدركه العقل أو يبلغه التذوق، كان النغمة المطربة التى لا يدرى السامع لماذا ولا كيف لطربته، فجاء كتابك كالمرشد للقارئ، والمستمع العربى من أبناء جيلنا، يدله على مواطن الحسن ومطاوى الجمال، ويجلى له أسرار ومفاتن الإبداع".

فيما أشار أديب نوبل في مقاله: "كان القرآن فى القلب فصار ملء القلب والعين والأذن والعقل جميعا. ولقد قلت بعد نظر طويل وتدبر "التصوير هو الأداة المفضلة فى أسلوب القرآن، فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهنى، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، وعن النموذج الانسانى والطبيعة البشرية، ثم يرتقى بالصورة التى يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهنى هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد وإذا النموذج الإنسانى شافعى حى وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية.

ومضيت تستشهد لكل حالة بالأمثال مفسرا شارحا موضحا، ولم تقتنع بذلك فتوثبت للبحث عن القواعد التى يقوم عليها التصوير المعجز من التخيل الحسى والتجسيم فى فيض من الأمثال والشواهد ثم لم تقنع بما فتح الله عليك من سحر هذا الفيض الإلهى فقلت "حينما نقول إن التصوير هو القاعدة الأساسية فى تعبير القرآن وأن التخييل والتجسيم هما الظاهرتان البارزتان فى هذا التصوير لا نكون قد بلغنا المدى فى بيان الخصائص القرآنية عامة ولا خصائص التصوير القرآنى خاصة.. هنالك التناسق الذى يبلغ الذروة فى تصوير القرآن".

يضيف نجيب: "فكان هذا الفصل الذى بلغت أنت الذروة فى النقد والذوق والفهم. كنت أود لو أستشهد ببعض ما جاء فى كتابك من النقد التطبيقى للآيات الكريمة، ولكن تضيق عن ذلك كلمتى الموجزة ويأباه ذوقى الذى يأبى المفاضلة بين أى الذكر على أى وجه من الوجوه ومهما يكن من أمر فينبغى أن أقرر هنا أنه فى فصلى "التناسق الفنى" و"القصة فى القرآن" قد بارك القرآن مجهودك فرفعك إلى مرتقى يتعذر أن يبلغه ناقد بغير بركة القرآن! أما أخرى الفائدتين: فهى لك أنت. لأن الكتاب فى جملته إعلان عن مواهبك كناقد إنك تستطيع أن تعبر أجمل عن نفسك، ولا تقف عند هذا فتجاوزه إلى بيان مواضع الجمال فى النص نفسه وما يحفل به من موسيقى وتصوير وحياة، ثم تستنطق الموسيقى أنغامها وضروبها، وتستخبر الصورة عن ألوانها وظلالها، وتستأدى الحياة حرارتها وحركتها ولا تقنع بهذا كله! فيقرن ذهنك بين النص والنص، حتى تظفر وراء المظاهر بوحده، وخلف الآيات بطريقة عامة، تجعل من الكتاب شخصا حيا ذا غاية واضحة، وسياسة بارعة، وخطة موضوعة، تهدف جميعا إلى الإعجاز الفنى فتناله عن جدارة فهذا ذوق جميل، وتذوق عسير وفكر ذو تحفة فلسفية". 

ويختتم نجيب مقاله بقول: "والآن اسمح لى أن أوجه إليك سؤالا، وأن أسوق ملاحظة، أما السؤال: فإنك تحدثت عن التصوير والتخييل والتجسيم والتنسيق الفنى، وكل أولئك روح الشعر ولبابه قبل أى شىء آخر، أفلم يخطر لك أن تحدد نوع كلام القرآن على ضوء بحثك هذا؟ وأما الملاحظة فمن الفصل الذى خصصته للنماذج الإنسانية، فقد وجدت فيما استشهدت به من آيات ما يعبر عن طبائع بشرية وسجايا نفسية لا نماذج إنسانية، فالنموذج الإنسانى بمعناه العلمى شىء أشمل من هذا، وهو قد يحوى الكثير من هذه الطبائع كما قد يحوى غيرها، والمهم أنه يعرضها على نحو خاص يتفق ومزاجه الأساسى. والنماذج الإنسانية محدودة، معروفة على اختلاف تقسيم علماء النفس لها - أما الطبائع فلا حصر لها، فلعلك قصدت الطبائع لا النماذج. للتعبير عن أثر النص فى وما يزال- له فى قلوبنا عقيدة".