«مات الملك يحيا الملك».. هكذا تغزل حسن البنا وجماعته فى الملك فاروق «تفاصيل»

كشف الدكتور رفعت السعيد في كتابه تاريخ "جماعة الإخوان..المسيرة والمصير" عن العلاقة التي ربطت الملك فاروق الأول مع حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، قائلا إن علي ماهر باشا هو مفتاح تلك العلاقة فقد كان عدوا لدودا لحزب الوفد، وكان واحدًا من دعائم القصر الملكي الأساسيين، وللسببين معا وجد في مؤسس الإرهاربية ضالته.
اللافت للنظر أن علي ماهر كان صاحب النفوذ الأول في عصر فاروق، فقد أدرك البنا أن مفتاح أبواب القصر بين يديه، ولهذا قرر أن يوثق علاقته به، ومهما كان الثمن الذي يدفعه.
ويؤكد المؤرخ الإخواني محمود عبدالحليم أن حسن البنا كان يري أن أقصر طريق لتحقيق أهداف الجماعة إنما يكون بالاتصال بالملك فاروق وإقناعه بأهداف الدعوة، وأن انتماءه إليها سيصلح البلاد ويحفظ له عرشه.
وعندما توفي الملك فؤاد كتبت مجلة الإخوان تحت عنوان "مات الملك يحيا الملك": مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة الظلماء، ولا تجد النور الذي اعتادت أن تجد الهدي علي سناه، فمن للفلاح والعامل، من للفقير يروي غلته ويشفي علته، ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع، ومن للإسلام يعز شوكته ويعلي كلمته، ومن للشرق العربي يؤسس وحدته ويرفع رايته."
ثم توالت مقالات مجلة الإخوان في الدعاء لفاروق ولي العهد، ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان يتحلي بها والده، وتصفه بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله، واتباع أوامره واجتناب نواهيه". وفي مقال آخر تصف المجلة الفتي صغير السن الذي لم يزل وليا للعهد بأنه: "المربي والأستاذ والمثل الأعلي".
وفيما كانت الاستعدادات لتولية الملك، اقترح الأمير محمد علي بأن يقام احتفال ديني تتم فيه مراسيم تولية الملك. حيث يعقد الاحتفال في القلعة ويقوم شيخ الأزهر بتسليمه سيف جده محمد علي. ولم يكن هذا الاقتراح سوي جزء من مخطط كامل رسمه الثالوث المسيطر علي القصر (علي ماهر والشيخ المراغي وكامل البنداري) لاحتواء الملك، وتقوية نفوذه وتقديمه في صورة الملك الصالح المسلح بالدين في مواجهة النحاس باشا المسلح بتأييد الشعب. ولكن النحاس يرفض أن يتولي الملك بأسلوب إسلامي قائلا في خطاب عنيف أمام مجلس النواب: إن هذا الاقتراح إقحام للدين فيما ليس من شئونه، وإيجاد سلطة دينية خاصة بجانب السلطة المدنية. ويأتي الرد سريعا من حسن البنا، فيعقد علي وجه السرعة المؤتمر الرابع للجماعة معلنا بصراحة تامة أن هدف المؤتمر الوحيد هو الاحتفال باعتلاء فاروق العرش.
ويصدر مكتب الإرشاد نشرة تقول:"قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان الاحتفال بحضور جلالة الملك المعظم فاروق الأول وتسلمه مهام ملكه السعيد، وتقديم فروض التهنئة والولاء بهذه المناسبة الميمونة، وكان الملك قد وصل إلي الإسكندرية، وركب القطار الملكي إلي القاهرة وعلي طول الطريق احتشد الإخوان وجوالتهم في محطات السكة الحديد لتحية الملك، وعقد المؤتمر الرابع للترويج لهذا الاحتفال.
ولقد أفرط حسن البنا في الكتابة مديحا للملك، فقد كتب تحت عنوان "ملك يدعو وشعب يجيب": إلي جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين، يا جلالة الملك الصالح العظيم، لقد دعوت فأسمعت، وناديت فأبلغت، ونصحت فأفصحت، وإن شعبك الذي عرفك مؤمنا صالحا تقيا، ووثق بك مجاهدا في سبيل إسعاده وإعزازه أمينا قويا، وأن هذا الشباب الذي ناديته فلبي، وأهبت به فاستعد، ليعلن بهذه المناسبة السعيدة عظيم إخلاصه وولائه للعرش المفدي ويترقب بفارغ الصبر يوم الخلاص وساعة الإنقاذ. يا جلالة الملك الصالح العظيم، عرف فيك شعبك المنقذ له، والحارس لدينه، والساهر علي رعاية مصالحه، والداعي إلي الخير والفضيلة فيه بالقول والعمل فأحبك من كل قلبه، وأخلص لعرشك من قرارة نفسه وعقد علي عهدك الرجاء وكنت عنده الرمز والأمل."
ثم طالبه بصدور أمر ملكي: بألا يكون في مصر المسلمة إلا ما يتفق مع الإسلام، فإن مئة فارس مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين من كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هناك الشعب كله، يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة ليسعدوا بالشهادة بين يديك في سبيل الله لنصرة الإسلام. إن الجنود علي تمام الأهبة، وإن الكتائب معبأة، وقد طال بها الانتظار واشتد شوقها إلي ميادين العمل والكفاح، فمتي تقام الصلاة، ومتي يتقدم الإمام."
وتمتد المبالغة كما اعتاد حسن البنا بلا حدود فعندما وجه الملك تحية إلي الشعب بمناسبة حلول شهر رمضان، تقول مجلة "النذير": إن الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين، إذ يهنئ شعبه بحلول رمضان الكريم. واستمر حسن البنا علي سياسة الولاء للملك، وبالغ في ذلك مبالغة دفعت الكثيرين لانتقاده، وإن كان هو وأنصاره قد اعتبروا ذلك نصرا كبيرا.