«الحرب الكلامية تظهر الحقائق الباطنة».. شاهد جرائم تنظيمي القاعدة وداعش في أعينهم

إذا أردت أن تعرف حقيقة شخص ما فاسمعها من حبيب مقرب له أصبح عدوًا لدودًا، وذلك لأنه حينما كان الحبيب المقرب كان يطلع على جميع أسراره وخباياه، وعندما أصبح عدوًا لدودًا فهو لا يرغب سوى في فضح أمره والتشفي فيه.
لذلك فعندما تريد أن تعرف حقيقة التنظيمات الإرهابية فاسمعها من عناصرها عندما يحدث خلاف بين بعضهم البعض، بل وتأكد أن هذه الحقيقة صادقة، لأنه لا أحد يعرف خباياهم أكثر من أنفسهم.
هكذا تتكشف لنا حقائق تنظيمي داعش والقاعدة التي تصدر على ألسنتهما الإعلامية نتيجة للخلاف الحاصل بينهما منذ سنوات.. فتنظيم داعش يرغب في التوسع على حساب تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة يقف أمامه.
إلا أن تنظيم داعش ذكر في صحيفة "النبأ" الأسبوعية التابعة له منذ ثلاثة أيام أن صراعه مع القاعدة يعود لغدره مع الفصائل السورية المسلحة التابعة لداعش.
طمع البغدادي في سوريا بداية الشرارة
بدأت إرهاصات الحرب بين تنظيمي داعش والقاعدة مع بداية الصراع في سوريا عام 2011، عندما طمع أبوبكر البغدادي (زعيم داعش) في توسيع نشاطه ليشمل أرض سوريا، وأرسل عناصر موالية له لخلق موطئ قدم له بها.
وافق أيمن الظواهري (زعيم القاعدة) على هذا الأمر في البداية، إلا أن البغدادي كان يفضل جعل جبهة النصرة (ذراع القاعدة في سوريا) كيانا مستقلا بعيدًا عن تنظيمه القادم من العراق، كما رأى أن تنظيم القاعدة أفرط في تركيزه على القتال في سوريا وتجاهل دولة العراق.
عام 2013 كان الانقسام الحقيقي
بدأ الانقسام الحقيقي بين تنظيمي داعش والقاعدة في عام 2013، عندما فجّر الأول خلافًا مع القاعدة (حينما كان فرعا تابعا له في العراق) وتمرد أبوبكر البغدادي (زعيم داعش) على أيمن الظواهري (زعيم القاعدة) عندما دعاه للامتثال له، ثم أعلن البغدادي اندماجه مع جبهة النصرة بقيادة (أبومحمد الجولاني) لتشكيل ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" تحت زعامة البغدادي.
إلا أن "الجولاني" رفض هذا التصريح وأعلن ولاءه لتنظيم القاعدة، ثم تعمق الخلاف بين التنظيمين إلى أن تبرأ "الظواهري" من "البغدادي" وجماعته.. تسبب ذلك الأمر في إعلان البغدادي إنشاء تنظيم مستقل تحت اسم داعش أو "الدولة الإسلامية" ونصب نفسه زعيما عليه.
كما أعلنت عدة أفرع تابعه لتنظيم القاعدة ولاؤها لتنظيم داعش، فيما استمرت أفرع أخرى على ولائها للظواهري.
بدأت الحرب الكلامية بين التنظيمين من أبومحمد العدناني (المتحدث باسم داعش) في يونيو 2013 عبر رسالة صوتية اتهم فيها الظواهري بإثارة الفتنة لأنه قرر عدم الموافقة على الدمج، وأنه بذلك قد أقر أمرًا يتسبب في المعصية وتفريق الجماعة.
كذابو البغدادي نماذج لمتقاعدي ضباط جيش صدام حسين
في عهد المعزول محمد مرسي عادت الحرب الكلامية بين التنظيمين مرة أخرى حينما شن أيمن الظواهري هجومًا على البغدادي وأتباعه قائلًا إن كذابي البغدادي قدوة لمتقاعدي ضباط جيش صدام واستخباراته، واتهمهم بالكذب والافتراء، وأكد أنه قد أرسل لهم رسالة يطالبهم فيها بعدم استهداف المساجد والأماكن العامة والحسينيات واستهداف قوات الجيش والشرطة والأمن فقط.
فيما اتهم تنظيم داعش (الظواهري) وتنظيمه بأنهم يلهثون خلف الأكثرية ويمجدون المعزول محمد مرسي لسعيهم وراء الشراكة في الحكم.
القاعدة ليست قاعدة للجهاد
في فبراير عام 2014 أصدر "العدناني" بيانًا يقول فيه إن "تنظيم القاعدة لم يعد قاعدة للجهاد الحقيقي، وإن قيادته أصبحت فأسًا لتدمير مشروع الدولة الإسلامية والخلافة القادمة"، مؤكدًا أن تنظيم داعش ما زال يسير على نهج أسامة بن لادن، وهو ما جعل سلطة البغدادي تتنامى وتستفحل في البلاد.
دير الزور والنفط هو السبب
بدأت الحرب الإعلامية الكلامية بين التنظيمين تظهر جلية أمامنا- لتؤكد لنا الحرب الأهلية الجهادية بين التنظيمات الإرهابية- من دير الزور عام 2014، فقد بدأ التنظيمان في تكفير بعضهما البعض إعلاميًا نتيجة رغبة كل منهما في السيطرة على النفط بمنطقة دير الزور السورية.
تسبب هذا الخلاف في حرب أودت بحياة الكثيرين من عناصر التنظيمين، كما قام أبومحمد العدناني (المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش) بشن هجوم حاد على أيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة) متهمًا إياه بأنه سبب الفتنة لأنه وافق على بيعه أبومحمد الجولاني (زعيم جبهة النصرة).
جاء ذلك تزامنًا مع فرض داعش سيطرته على (ولاية الخير) في دير الزور، وقد تراشق التنظيمان الاتهامات على بعضهما البعض.. فقال القاعدة إن أمير داعش عصا أوامر (أيمن الظواهري)، فيما رد تنظيم داعش على ذلك قائلًا إن الظواهري سمح لزعيم جبهة النصرة أن يلعب به الكرة.
الطمع في الخلافة يزيد من حدة الحرب
في يناير عام 2017 أصدر أيمن الظواهري رسالة إعلامية لزعيم داعش كاستمرار للتراشق الكلامي بينهما، مستغلًا الوقت العصيب الذي يمر به "البغدادي" وجماعته بعد ورود أخبار بأن هناك انشقاقات وخلافات بين العناصر الداعشية خصوصًا السورية.. جاءت رسالة الظواهري من أجل استقطاب عناصر تنظيم داعش للانضمام لصفوف القاعدة مرة أخرى.
واتهم الظواهري زعيم داعش (أبوبكر البغدادي) بالكذب والافتراء على القاعدة لتشويه صورتها، وقال أيضًا: "الكذابون يصرون على كذبهم لدرجة أنهم زعموا أننا لا نكّفر الشيعة".. جاء ذلك بعد أن أعلن البغدادي أن القاعدة ترفض الهجمات الطائفية ضد الشيعة وأنها مستعدة للتعاون مع الزعماء المسيحيين.
مالي والنيجر وبوركينا فاسو
يستمر الصراع بين التنظيمين إلى وقتنا الحالي، وتُعد (مالي) حاليًا الشاهد الحي على أحداث الخلاف بينهما.. فتحدث العديد من المواجهات المسلحة بين الطرفين وسط مالي وفي منطقتها الحدودية مع بوركينا فاسو.. فيسعى "البغدادي" إلى السيطرة بأي ثمن على مالي وبوركينا فاسو والنيجر مما أدى إلى مضاعفة هجماته في هذه المناطق خلال عام 2020 وسيطرته على مناجم الذهب بها.
فتحول الصراع بين التنظيمين في مالي إلى الصراع بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (التابعة للقاعدة) وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى.
ويهدف البغدادي من هذه الحرب إنهاك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين للسيطرة على المنطقة.