رئيس مجلس التحرير
د. محمد الباز
رئيس التحرير
وائل لطفى
تقارير وتحقيقات
الخميس 07/ديسمبر/2017 - 09:15 ص

انفراد: مصريون هربوا من صفوف «داعش» واحتجزوا فى تركيا يتحدثون لـ«أمان»

انفراد: مصريون هربوا
aman-dostor.org/2323

أن تنضم إلى تنظيم «داعش» الإرهابى، لاعتقادك أنه «الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»، حسبما يروج، أو لظنك أنك ستعيش فى ظل «دولة إسلامية» مزعومة، بعدما صدقت خدعته لجذبك، ثم تقرر «التوبة» والتبرؤ من كل ذلك- فهذا يؤكد أنك واجهت ظلما وتنكيلا وحياة لا تطاق. من بين هؤلاء مصريون فروا من «داعش» بعد أعوام من الانضمام إليه والقتال فى صفوفه، فتم احتجازهم داخل المقار الأمنية التركية، أو ألقت بهم مخابرات «أنقرة» على الحدود وطلبت منهم التعامل مع الوضع بأنفسهم. هؤلاء «التائبون» و«العائدون إلى الحق»، بعثوا بـ«رسالة استغاثة» إلى «الدستور»، منذ أكثر من شهرين، لكننا ننتظر تأمينهم، طالبوا فيها بإخطار الحكومة المصرية بطلب واحد: «أنقذونا»، داعين إلى تدخلها لإخراجهم من المقار الأمنية التركية، وسنترك السطور التالية لهم يحكون فيها تجربتهم مع «داعش»، وقرارهم بـ«التوبة»، مع احتفاظنا بأسمائهم وصور جوازات سفرهم، التى اختصونا بها. مصريون ماتوا من التعذيب بدأ «أ.ح» تجربته بالإشارة إلى أن معظم المصريين المنضمين لـ«داعش» تركوا أهلهم وعملهم وحياتهم فى مصر، ورحلوا إلى سوريا للقتال مع التنظيم الإرهابى، مصطحبين زوجاتهم وأولادهم. وقال «الداعشى السابق»، الذى يعيش حاليا مع أولاده الصغار محتجزًا بتركيا، إنه كان يعيش فى المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى مصر وانخرط مع مجموعة تكفيرية، وبعدها قرر الذهاب إلى سوريا، وانضم للتنظيم وأخذ معه زوجته وأولاده الخمسة. أضاف «أ.ح»: «أسهل شىء أن تنضم إلى داعش. الدخول يعتبر نزهة، فبمجرد أن تعتزم الذهاب ستجد الطرق ميسرة ومفتوحة. تابع: «المشكلة الكبرى فى الخروج من داعش، وليس فى الدخول أو الوصول إليه.. ستجد كل الخيارات السيئة التى تتخيلها والتى لا تتخيلها مطروحة كلها أمامك، أنت معرض لها بالفعل فى كل دقيقة بدءًا بالسرقة، وانتهاءً بالخطف والاغتصاب والقتل، كل شىء ستواجهه بنفسك». «ع.ف» طالب، من محافظة الإسكندرية، قال: «حينما تدخل، وبمجرد وصولك لـ(دولة داعش)، ستجد نفسك تتعرض لمحتوى فكرى جديد تمامًا، أو غسيل مخ، وهذا التعبير هزيل فى مقابل الحقيقة، لأنك ستتعرض لتغيير عقيدتك لتكوين دين بأبعاد جديدة، برؤية جديدة، بنظرة جديدة، إنهم يبثون إليك إسلامًا مغايرًا لما كنت تعتقده، فسوف تكتشف من خلالهم أنك أنت شخصيًا لم تكن مسلمًا، وأنك كنت تعيش دون دين». أضاف الطالب «إن اعترضت بأنك لم تكن تعرف هذه الأمور العقائدية فسيقولون لك: (لا عذر بالجهل)، خاصة أنه سيطر على التنظيم من يقولون بعدم العذر بالجهل ومن يكفّرون الحكام فى كل العالم الإسلامى وأعوانهم من الجيش والشرطة والهيئات والوزارات، كل هؤلاء كفار مرتدون فى نظرهم، ومن ينتخب البرلمان ويشارك فى الانتخابات فهو كافر مرتد، ومن لا يكفّر كل هؤلاء فهو كافر مرتد أيضًا». تابع «ع.ف»: «التنظيم يكفّر كل فصائل الثورة السورية ويعتبرهم مرتدين لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله ويتعاونون مع أعداء الدين، الكافرين، على المسلمين (يقصدون داعش) فلا يوجد أى فصيل فى سوريا مسلم عدا جبهة النصرة، وهم (بغاة) بغوا على الدولة الإسلامية، وكان عدم تكفير جبهة النصرة سائدًا فى البداية، لكنهم كفّروا الجبهة بعد ذلك، وأنزلوا بيانات بذلك، وكفّروا كل من لم يكفّرها». استكمل: «هذه هى الخريطة الذهنية الجديدة التى تتشكل فى عقل كل من يلتحق بهذا التنظيم، وبذلك يصبح الخروج من الدولة خروجا من ديار الإسلام الوحيدة الموجودة فى العالم كله، حتى إننى سألتهم ذات يوم: (إذا كنا نحن فقط ديار المسلمين الوحيدة فى العالم، التى يجب الهجرة إليها- فماذا لو آمن كل المليار مسلم حول العالم وأرادوا التوبة بالهجرة إلى تنظيم الدولة؟ كيف وأين يعيشون ونستوعبهم؟ وماذا سيفعلون؟». من جانبه، قال «د.ط»: «أخذت قرار الخروج لأننى صدمت، فالصدمة هى التى ستجعلك تفكر بالفرار من التنظيم، لا يمكن التفكير فى الخروج من هذه المنظومة إلا لو حدثت لك صدمة، وهذا ما حدث معى، فقد فوجئت بأفعال تخالف الإسلام جملة وتفصيلًا». أضاف «د.ط» الذى يصطحب أسرته معه أيضًا: «هاجرت لتنظيم الدولة على أساس أننى أخيرًا سأعيش فى دولة الإسلام المثالية المؤمنة الرائعة، والحياة الخالية من الكدر، تحت مظلة الشريعة، فلمّا عشت فى هذه الدولة، شاهدت ظلمًا لا مثيل له، ولن تستطيع أن تتكلم، ولو تكلمت ستذهب إلى حيث لا يعرف أحد، وقد رأيت ذلك، فكل ما تتخيله من ضرب وحبس وتعليق وجلد، وكل أصناف العذاب، لدى داعش، وهناك مصريون ماتوا من التعذيب». وتابع: «هنا بدأت أفكر كيف أتحمل هذا الظلم؟، إنهم حكموا علىّ أننى وقعت فى ناقض من نواقض الإسلام، إنهم يستغلون الشباب الصغار، لكن صاحب الخبرة فى الحياة سيدرك سريعًا أن هناك مشكلة، وأن هناك خطأً وظلما كبيرا». وعند سؤالنا عن طبيعة ذلك الظلم قال: «إن الظلم هناك ممنهج لأن الشكوى عامة، وحينما تشتكى من يظلمك تجده يترقى داخل التنظيم، إذن هذا مقصود، فعندهم قتل يسمى (قتل المصلحة)، بمعنى جواز قتلك لأجل مصلحة الدولة، أو لأجل المصلحة، وهذا كلام لا يعقله أى أحد، إلا قليلى الفكر، لأنهم لا يعرفون شيئًا عن الدين». ولفت «د.ط» إلى أن هناك أناسًا خرجوا من «داعش» لأنهم أشد تطرفًا من التنظيم نفسه، ويكفّرون عوامه، ولأن التنظيم يعلن أن العوام رعايا له يرفض تكفيرهم، ويقاتل هؤلاء «المتطرفين». مقاتلون انضموا من أجل «السبايا» فقط بدوره، قال «أ.ن»، مصرى من القاهرة، كان قد التحق بالتنظيم لمدة عام ونصف العام: «(تنظيم الدولة الإسلامية) آوى مجرمى أوروبا، كما آوى محترفى السرقة وتجار المخدرات، ووفر لهم الطريقة المثلى للانسلاخ مما هم فيه، من كونهم دائمًا مطاردين، إلى وضع جديد، أصبح معهم فيه سلطة ونفوذ». وأضاف: «التنظيم آوَى إليه المضطهدين من الشيشانيين والروس، أو من أصل أوروبى، وهؤلاء عاشوا فترة طويلة مضطهدين ومظلومين ثم أعطاهم التنظيم سلطة فتقمصوا دور السجان والظالم وباتوا يعاملون الناس بكبر وتعالٍ، ويسيئون للناس أشد الإساءة». وتابع: «أما المقاتلون الأجانب فقد كانوا يتكبرون على عوام الناس لأنهم كفار من وجهة نظرهم، ويعاملونهم بجلافة لا مثيل لها، فيسبونهم ويهينونهم، لأن لحاهم ليست كما يرغبون أن يروها، أو أنهم يطيلون جلبابهم، أو أن زوجاتهم نقابهن معوج، وهناك من يبايعون داعش لأجل النيل من خصومهم أو للثأر من أحد بمجرد الشبهة». وأشار إلى أن «هناك من يريد الخروج، لأن تنظيم الدولة بدأ يخسر، وليس بينهم تنظيم الدولة عداوة ولا يشعرون بأى مشكلات معه، لكن لأن التنظيم بدأ يخسر على أرض الواقع قرروا تركه، وهؤلاء هم الخليجيون تحديدًا، وعددهم كثير جدًا، فأى خليجى يأتى لتنظيم الدولة لا يشعر بأى ظلم، وتتم معاملته بطريقة خاصة تميزه عن باقى الفئات». وقال «أ.ن»: «لكون المستقطبين من الخليج يملكون أموالًا يعيشون فى تنظيم الدولة يبيعون ويشترون السبايا، ويعيشون حياتهم بـ(الطول والعرض) وعند حدوث شىء ما، تكون لهم ترتيباتهم الخاصة ويستطيعون فى أى وقت أن يخرجوا من التنظيم معززين مكرمين كما دخلوا، إذ تكون جوازات سفرهم موضوعة فى مكان ما بتركيا، فيأخذونها ويعودون لبلادهم دون أن يشعر بهم أحد، عكس خروجنا نحن المصريين». وعن قرار الخروج من التنظيم قال: «هذا أصعب شىء، ماذا تفعل؟ كيف تخرج؟ لمن تصرح بهذا القرار؟ من سيساعدك؟ فحتى زوجتك تخاف أن تَسر إليها بهذا السر، وهناك أمثلة واقعية رأيناها لمصريين كانت تبعث على الخوف، فهناك امرأة أبلغت (داعش) عن أمها». وأضاف: «هذا معناه أنك ستُؤخذ وتُحبس، فإن تبين أنك جاسوس، وهذا يمكن بكل سهولة، فلا سبيل أمامك سوى الموت، وإن تبين أنك لست جاسوسًا، وهذا صعب، فسبيلك السجن، ومن السجن إلى معسكر التوبة، وما أدراك ما معسكر التوبة، إلى جانب أن أولادك سيجوعون، لكننى وجدت زوجتى متعاونة معى، لأنها هى التى لفتت انتباهى لخطأ هؤلاء الناس». 10 آلاف دولار «تسعيرة الهروب» قال أحد العالقين على الحدود التركية فى رسالته: «حينما دخلت لمعسكرات التنظيم، أخذوا الأولاد ووضعوهم فى مكان يسمى (المضافات)، وكنت حينما أسأل عنهم كانوا يقولون لى إنهم فى معيشة أفضل منك، وطبعًا نحن فى المعسكرات يتعاملون معنا معاملة جيدة من ناحية الأكل والشرب والاهتمام». وأضاف: "لما أخذت إجازة وعدت لأسرتى، قالوا لى إنهم فعلًا يعيشون بشكل ممتاز، فلما انتهت فترة الإجازة، رأيت أولادى متأثرين جدًا، فظننت أن ذلك ناتج عن فراقى، فلما هممت أن أعود، قالت لى زوجتى لا تتركنا وتعود للمعسكرات، وهم هددونا ألا نقول لك أى شىء مما رأيناه من عذاب ومعاملة مهينة". وواصل حديثه: «فى المعسكرات تبدأ مراقبتى، لأننى يمكن أن أكون جاسوسًا، لكننى قابلت شخصًا مصريًا وحكيت له قصتى، فكلم قيادات بالتنظيم، واستطاع أن يُلحقنى بكتيبة (طارق بن زياد) وقابلت فيها مصريًا آخر إداريًا، فقلت له أنا كبرت فى السن وجئت كى أعمل ولدىّ أطفال، فأسند لى عملًا إداريًا، ومن هنا قررت أن أعود، أو على الأقل أُرجع أولادى إذا لم أستطع الخروج. وأضاف العالق على الحدود التركية: «حاولت الهرب بعد ٤ أشهر، واستطعت أن أعثر على مُهرّب، واتفقت معه على ١٠ آلاف دولار، حتى يُخرجنا إلى مكان آخر على مسافة تقرب ما بين محطة الملك الصالح فى مصر وحتى محطة رمسيس، وخرجنا بالفعل من الرقة ونحن نخاطر، لأن المُهرّب يمكن أن يأخذ الفلوس ثم يسلمك للتنظيم، لكن الله سلم، وأخذنا المُهرّب إلى مكان وجود (الجيش الحر(». تابع: «هنا بدأت مأساة أخرى، فعند هذا الحاجز أنت وحظك، بمعنى أنه لو كان من يقف على الحاجز متفهمًا لأن تقول له إنك من طرف المُهرّب فلان الفلانى، وإنك ستسلم للفصيل الفلانى المتفق عليه، سيوصلك بالفعل، أما لو كان مثلما رأينا وحدث معنا، فهذا شىء آخر، فقد قال لنا اجلسوا فجلسنا، وأخذ منا ما معنا من مال، وأغراض وأجهزة وذهب فأخذوا منى ما يعادل ١١ ألف دولار. أبناء القاهرة قلة فى التنظيم قال «أ. ح»: «حاولنا اختراق الحدود والدخول لتركيا، فأمسك بنا حرس الحدود التركى، لافتًا إلى أن الكهرباء فى منطقة ذلك «الفصيل» تأتى لمدة ٧ ساعات فقط، ويتم الاعتماد على المياه الجوفية، إلى جانب دفع ثمن الكهرباء والإيجار. وأضاف العالق على الحدود التركية، متفقًا فى شهادته مع سابقيه: «بعد شهرين حققت معنا المخابرات التركية، ولم يجدوا أدلة تثبت تورطنا فى شىء، فتركونا على الحدود. قال «أ. هــ»: «ماذا ستفعلون لو كنتم مكاننا؟.. كنا نريد مأوى، فقالوا حاولوا أن تستأجروا بيتًا، وأجرناه بالفعل فى أول شهر بـ٢٠٠ دولار، والشهر الثانى بـ٣٠٠، وهو عبارة عن غرفة على المحارة، وحوش به حمام، أما التدفئة فهى عبارة عن شىء يسمى (صوبة) تعمل بالمازوت، ويكلفك ١٥٠ دولارًا، بمعنى أن إجمالى مصروفاتك فى الشهر حوالى ٧٥٠ دولارًا على حسابك الشخصى». وتابع: «أخطأنا ونريد أن نعود لبلادنا، ولتفعل بنا ما تريد، المهم أن نخرج من هنا، هنا سرقة، وخطف، وقتل، نحن نريد حلًا من أجل أطفالنا ونسائنا، من أجل المرضى والحالات الإنسانية التى معنا، فهنا معنا نساء فقدن أزواجهن، ولا يعرفن أين يذهبن؟ وماذا يفعلن؟ ومعنا مصابون يعانون جراحاتهم وآلامهم كل يوم فى جو من البرد الشديد، والمعيشة غير الآدمية، معنا رجال فقدوا زوجاتهم ولا يعرفون مصيرهن، أدركونا نحن فى مأساة». عن الدول التى صدرت عناصر لـ«داعش»، قال أحد العالقين على الحدود التركية: «التنظيم كان يمثل حالة جذب لبعض شباب الدول الإسلامية، التى استقلت عن الاتحاد السوفييتى، تليها تونس ثم دول الخليج». وذكر العالق على الحدود التركية، أن نسبة المصريين ليست كبيرة فى التنظيم لارتفاع نسبة الوعى فى مصر، مضيفًا: «ولأن المصرى حتى لو لم يكن لديه وعى، فهو يحب أن يسأل كثيرًا، ولا يقدم المصريون على شىء دون أن يفهموا كنهه وماهيته، وأسانيده العلمية، حتى لو كانوا قليلى العلم، فإنهم يستعيضون عن ذلك بكثرة السؤال». ولفت إلى أن السفر للتنظيم يحتاج لمال كثير، مؤكدًا أن من يريد أن يلتحق بالتنظيم عليه أن يمتلك نفقات السفر لتركيا، والإقامة لبعض الوقت، ثم تكلفة الطريق من تركيا لداخل أراضى تنظيم الدولة، ثم الأهم من ذلك من يزكيه للحاق بهم، فهم لا يقبلون أى أحد بسهولة. وأضاف: «كل هذا من الصعب تحقيقه فى القطر المصرى بخلاف البلاد الأخرى، وتجربتى خير دليل، فقد كنت أمتلك المال، وبالتالى استطعت الذهاب لتركيا ثم العبور لأراضى التنظيم». 80% من العمليات الانتحارية «فاشلة» عن العمليات الإرهابية الانتحارية قال أحد التائبين، إن «أغلب عمليات داعش تبيع الوهم للناس، من أجل بث الرعب، و٨٠٪ من عملياتهم فاشلة، لكنهم ينقلونها إلينا على أنها ناجحة، وأمراء التنظيم يتاجرون بأرواح الناس، ويحثونهم على تلك العمليات، فيموتون ويحصلون هم على الترقيات والرتب». وأضاف: «أى عملية يلزمها فى الأغلب ٣ عربات مجهزة، ثمن العربة الواحدة يزيد على ١٥٠ ألف دولار، وهذا يدل على حجم التمويل الذى يتلقونه». وتحدث أحد العالقين عن «الانتحاريين» قائلًا: إن هناك قلة من المصريين انتحرت مع «داعش»، وأغلب المنتحرين توانسة وخليجيون، مضيفًا: «معظم العلمليات الانتحارية التى تنجح وتحقق أهدافها لا تتعدى نسبة الـ٢٠٪، وهذه نسبة عالية جدًا، إذا ما قورنت بالواقع، فالواقع هو الفشل الذريع، لكنهم يصورون هذه العمليات الفاشلة، ويقدمونها على أنها إنجاز، وعمليات حقيقية، وهى على العكس تمامًا». ذكر أحد الفارين من «داعش» أن قادة التنظيم «يركزون جدًا على الداخلين أو الواردين الجدد لتنظيم الدولة، بحيث يستغلون حماس هؤلاء الناس ودخولهم بصورة الانبهار بالتنظيم، فمن المعروف أن القادم لديه ثقة كبيرة فى هذا التنظيم، ويمتلك رغبة وتوقعات وأحلامًا وردية، وصورة لا توجد على الأرض، وقبل أن تتكون بداخلهم أى أسئلة أو شكوك، يستغلون فرصة جهل هؤلاء بالواقع، ويحاولون إقناعهم بالانضمام لما يسمى بكتائب الاستشهاديين». وأضاف: «الأعضاء الجدد يتم توزيعهم على المضافات التى توفر لهم الأكل والشرب والرعاية والسكن والمبيت الآمن وكل لوازم الحياة، سواءً كان العضو منفردًا أو مع أسرته، ويأتى أمير كتيبة الاستشهاديين، ومعه رجل شرعى، أى المختص بالأمور الشرعية، فيرغبهم فى الجنة والشهادة، وحاجة الدين لنصرة أهله، ويقول إننا محتاجون لاستشهاديين، لأننا بصدد فتح جديد، والظروف تقتضى الإعداد لمثل هذه العمليات». وتابع: «أمير الكتيبة والرجل الشرعى يأتيان باستمرار إلى المضافات لإقناع الشباب بالاستشهاد، بإلحاح شديد وابتزاز دينى أحيانًا، فالقادمون الجدد هم فرصتهم لالتقاط انتحاريين، ومن يسجل اسمه معهما يتم نقله لمضافات أخرى تسمى (مضافات الاستشهاديين)». وأوضح أن «مضافات الاستشهاديين» سرية لا يعرف مكانها أحد إلا أمير الاستشهاديين، أو من يثق به فقط، على أن يكون سرًا، ويتم تغيير المكان كل فترة، مخافة الجواسيس، لئلا يكشف لقوات الأعداء، وهؤلاء لهم معاملة خاصة، وتختلف معهم الأمور تمامًا، فبمجرد التسجيل والذهاب لهذه المضافات تجدهم يستمتعون بالراحة ونعيم التنظيم. يلتقط «أ. و» طرف الحديث فيقول: «أعرف ٧ سجلوا أسماءهم، لكن لم ينفذ منهم سوى ٢ فقط، مصرى، وآخر فلسطينى، مضيفًا «ليس كل من يسجل اسمه ينفذ عملية انتحارية، إذ يمكنه أن يتراجع بعد ذلك، وهناك اُناس كانوا يأخذون هذا التسجيل لأجل أن يلقوا معاملة خاصة». تابع أن «من يسجل اسمه فى قوائم الانتحاريين يعيش معيشة مميزة، ويتم تسكينه فى مضافات جميلة، ويزوجونه لو أراد الزواج، أو يعطونه السبايا، أو يمكنونه من العيش مع زوجته، لو كان متزوجًا، أى أنه يعيش فى راحة ورغدٍ من العيش، ويخرج متى شاء ويتصل بمن يريد، عكس حالتنا نحن، فنحن ممنوعون من الاتصال حتى بأهلنا أثناء المعسكرات». وأوضح «أ. و» أن «الانتحارى لا يتم تدريبه على السلاح، لكنه يأخذ دورات شرعية فقط، ويعرفونه أن مفتاح التفجير هو مفتاح الفردوس الأعلى، ويدربونه على قيادة السيارات، وبعض من فى مضافات الانتحاريين، يكون لهم واسطة داخل التنظيم، فيسجلون أسماءهم ليعيشوا فى نعيم». وأكد أن «أبوبكر البغدادى أصدر تعليمات بأن لا يتم تنفيذ العمليات من قِبَل من يسجلون أسماءهم إلا بإرادتهم الحرة واختيارهم، وتحديد الوقت الذى يناسبهم للتنفيذ، بحيث يعلنون أنهم الآن مستعدون للتنفيذ، وطالما لم يعلن الشخص لا ينفذ، وهذا ما استغله البعض للحياة فى المضافات الرغيدة». الأمراء يشجعون الانتحاريين أملًا فى الترقية «أ. و» قال إنه «لكى يتم تفجير مكان ما يتم إعداد ٣ سيارات مفخخة أو أكثر، مثل ما حدث مع الفلسطينى الذى حاول تنفيذ عملية من قبل، فقد كان يسبقه ٣ سيارات، الأمير ينادى الأول، فيخرج الانتحارى على زملائه ويسلم عليهم، ويتم تصويره كما ترون فى أفلامهم المصورة، فى حالة درامية عالية، ثم يركب السيارة ويتقدم ومعه دليل أمامه يوجهه، ويحدد له المكان بالضبط، إضافة لخط اتصال مباشر بالأمير يبث له رسائل صوتية تحفيزية، مثل تقدم يا بطل، الجنة أمامك، أنت أوشكت، الله معك، وهو يرد: والله أنا أرى الجنة، والكلام الذى نسمعه». وأضاف «هكذا كان الأخ الفلسطينى رقم ٤ فى العملية فأول واحد انطلق بالسيارة التى انفجرت فى مكان محدد، والأمير صاح الله أكبر، كما نسمع فى التسجيلات، وخرج الثانى فى نفس المكان الذى فُجر فيه الأول، وتم التفجير، والثالث نفس المكان، فالفلسطينى لاحظ أن الأمر فيه شىء غير منطقى، وأعطى له الأمير الإشارة، وبدأ ينصحه: ابدأ باسم الله، وقُد بسرعة عالية جدًا، ولا تقف ولو ضربوا عليك نار، وعند النقطة المحددة اضغط على زر التفجير». وتابع أن الفلسطينى حين ارتاب فى الأمر حاول ألا يقود بسرعة عالية، إذ كيف يتم تفجير أو ضرب نفس المكان ٤ مرات؟ وحينما اقترب من نفس المكان بدأ يهدئ السرعة، ونظر حوله جيدًا فوجد برجًا للمراقبة به مسلحون بأسلحة «آر بى جى» ومجرد أن تأتى السيارة إلى نقطة محددة يتم إطلاق القذائف عليها فتنفجر، وبالفعل لما وصل المكان اُطلقت عليه القذائف، لكن لأنه كان يقود بسرعة بطيئة استطاع أن يناور ويهرب، لكنه أصيب ورجع». وأضاف «حكى لنا الفلسطينى ما حدث، إلا أنهم برروا له ولنا أن ما حدث كان خطأ غير مقصود، المشكلة أنه صدق الأمير الذى يتاجر بأرواح الناس لأجل أن يتقرب من قيادة التنظيم بدماء هؤلاء، من خلال تصويرهم، ويعلن أنه فجرّ كذا ويأخذ صيتًا بدماء هؤلاء». وقال: «سمعت أحدهم يقول عنا نحن الذين يسموننا بالمهاجرين، إن وظيفتنا هى أن نموت، وهم يتزوجون نساءنا، فلا تجد أى شخص من أعضاء التنظيم القدامى ينفذ مثل هذه العمليات، إلا فى بعض الحالات النادرة جدًا، مثل أن يكون هذا العنصر مهدرًا دمه، فيقول أنا سأسجل اسمى فى العمليات الاستشهادية، ففى هذه الحالات يسجل القدامى أسماءهم، لأنهم سيموتون لو بقوا ميتة بشعة». وأوضح أن ذلك حدث مع الأمير العسكرى الذى حوصر من الأكراد فتفاوض معهم لأجل إخراج النساء والعائلات والأطفال والمقاتلين بسلاحهم الخفيف، فأفتى العدنانى بإهدار دمه، وكل من يراه يقتله لأنه خان الدولة، وهنا سلم هذا الأمير نفسه، وطلب «دوكمة الخلاص» وهو مصطلح يُطلق على العمليات الانتحارية، لكى يرتاح من التعذيب فى السجن أو المطاردة. وأضاف: «شخص آخر قبل أن ينفذ عملية انتحارية، أتت لهم معلومات تفيد بأنه يمكن أن يكون جاسوسًا فحققوا معه، والتحقيقات هناك فيها كل شىء مباح بدءًا من تغمية العينين، مرورًا بالتعذيب بالكهرباء، وحتى الضرب الذى يمكن أن يُفضى إلى الموت، ثم وضعوه فى سجن أسفل مبنى المحكمة الشرعية، ثم جاء طيران التحالف وقصف المكان». ولفت إلى أن هذه الواقعة تكررت كثيرًا بنفس السيناريو، أى يوضع المفترض أنهم جواسيس لقوات التحالف فى سجن ثم يبلغون عنهم، وتأتى الطائرات لتقصفهم، عن طريق شريحة تعطى إشارة لطيران التحالف بضرب المكان على أنه هدف. وأضاف الطالب السكندرى: «حتى لو قرأت وألفت فهناك نقطة مهمة جدًا فى تقديم تلك الأعمال، يفتقدها كل صناع الدراما، وهى عدم الاستعانة بأصحاب الخبرة فى هذه الملفات، فتأتى الأعمال مضحكة وهزلية، والكارثة أنها تؤدى لعكس ما تريد فى أغلب الأحوال، وعلى سبيل المثال، مسلسل (غرابيب سود) كان ينقصه أن يكون هناك شاهد معايش لهذه الأحداث ولهؤلاء الناس، لقد كان بالمسلسل مبالغات لا معنى ولا داع لها، وأشياء ليس لها صلة بالواقع».