ماذا يعني مفهوم "أمن المعلومات"؟

-ماذا يعني مفهوم "أمن المعلومات"؟ يعني حماية الحدود الرقمية لشبكات الإنترنت، بما يكفل الحفاظ علي الأمن القومي المعلوماتي لأي دولة، ويعني أيضاً ألا تحتوي المعلومات التي تتدفق إلي "السيرفرات" أو النواقل الخدمية المدعومة بأجهزة الكمبيوتر والمتصلة بكابلات الإنترنت، علي أي مضامين تضر بالدولة أو بمستخدمي شبكة الإنترنت. وهذا المفهوم يغيب للأسف بشكلٍ كلي عن شبكات الاتصال الرقمي لدينا، التي تشهد فوضي معلوماتية عارمة.
ما صور الفوضي المعلوماتية التي تري أنها غالبة علي شبكة الإنترنت لدينا؟.
- هناك صورٌ عدة لهذه الفوضي التي بدأت بدخول كابل الإنترنت المعلوماتي إلي مصر في أواخر تسعينيات القرن الماضي، دون أن نضع المقومات التي تجعل هذا الكابل يُفعل بشكل سليم وصحيح لحماية الحدود الرقمية، ولم توضع أي معايير تتحكم في أمن المعلومات، وحتي الآن لم يتم تفعيل أي تشريعات أو قوانين أو بروتوكولات خاصة بتنظيم تداول المعلومات علي شبكة الإنترنت. وكانت النتيجة التي تجسد هذه الفوضي أن أصبحت شبكة الإنترنت لدينا وسيلة لتنظيم وارتكاب جميع أنواع الجرائم، بدءاً مما تتعرض له الشبكة المصرية من اختراقات، وعمليات القرصنة الالكترونية التي تتم لسرقة حسابات المشاهير والشخصيات العامة بمواقع التواصل الاجتماعي، ونشر المعلومات التي تنال من الأمن القومي المصري، وممارسة الإرهاب الإلكتروني الذي يعتمد بالأساس علي شبكات التواصل الاجتماعي.
هل تعني بذلك النشاط الذي تمارسه الخلايا الإلكترونية للجماعات الإرهابية؟.
- بالطبع، فهذه الجماعات تستغل شبكة الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافها، عن طريق المواقع والصفحات المشبوهة التي تدشنها لممارسة الحشد الإلكتروني وتجنيد واستقطاب الشباب لتنظيم المظاهرات ونشر الأفكار المعادية للدولة والفكر الإرهابي، والهاشتاجات المسيئة التي تطعن في الرموز الوطنية وتسيء إلي القوات المسلحة. هذه المواقع توثق الاتصال بين الجماعات الإرهابية داخل مصر وخارجها، لكن الخطورة الحقيقية تتجلي في التقنيات التي تستخدمها الخلايا الإلكترونية الإرهابية لتخطيط وتنفيذ الجرائم اعتماداً علي المعلومات التي يحصلون عليها من خلال شبكة الإنترنت.
ما التقنيات الإلكترونية التي يستخدمها هؤلاء لتنفيذ جرائمهم؟
- للأسف تحوّلت شبكة المعلومات لدينا إلي منصة رَحبة تنطلق منها معظم العمليات الإرهابية، في ظل انعدام الرقابة التي يُفترض أن تحكم هذه الشبكات، ما أتاح لهم استخدام تقنيات وبرامج معينة مثل برنامج "رادمن فيور" و"آي بي تريسر" الذي يعمل بتقنية معقدّة وحديثة تقوم بجمع وفلترة المعلومات من شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والبحث عنها وفق معايير أو كلمات مفتاحية معينة، كأن يقوم بالبحث عن كلمة "ضابط" أو "مستشار" علي سبيل المثال ليحصر أعداداً هائلة من حساباتهم الشخصية بمختلف المواقع، ومن ثم يقوم بتتبعها والحصول علي معلومات عنها، كما يقومون باختراق هذه الحسابات والاطلاع علي المحادثات الشخصية وغيرها من التفاصيل التي يمكن استخدامها في مخططاتهم الإجرامية. هذا الغزو الذي تتعرض له شبكات الاتصال، والذي كنت أرصد جميع صوره بدقة منذ فترة طويلة دفعني إلي إعداد دراسة مفصلة لمشروع "الأمن القومي الرقمي للدولة المصرية"، الذي كان واحداً من بين عدة مشروعات عرضتها علي جهات سيادية من خلال مجلس علماء مصر الذي شرفت بالانضمام له.
حدثنا عن مشروع الأمن القومي الرقمي.
- المشروع عبارة عن تدشين بوابة إلكترونية حديثة لمراقبة المدخلات والمخرجات من المعلومات التي تمر عبر كابل الإنترنت المصري. هذه البوابة تتضمن مجموعة فلاتر أمنية وهي برامج متخصصة تثبّت بالنظام الرقمي لغرفة التحكّم الرئيسية أو ما يسمي ب"دولاب العجلة" بوزارة الاتصالات، بغرض مراقبة وفرز وتنقيح المعلومات الرقمية، بما يسمح بحجب واستبعاد المواقع والصفحات التي تحمل مضامين إباحية أو إرهابية تضر بالأمن القومي من شبكة الإنترنت في مصر، عن طريق عنوان البروتوكول المتصل بشبكة الإنترنت. ويفترض أن يدير هذه الفلاتر مُبرمجون متخصصون يتلقون المعلومات التي تحجبها الفلاتر ليقوموا بالإبلاغ عنها أمنياً لدي الجهات المختصة لتتبع مصدرها.
لكن إحكام الرقابة بوضع فلاتر أمنية علي شبكة الإنترنت قد تثير مخاوف البعض من اختراق الخصوصية وتقييد حرية التعبير، كيف تري ذلك؟
- تجب الإشارة إلي أن هذه الفلاتر تستخدم في العديد من الدول المتقدمة تكنولوجياً التي يحظي مواطنوها بقدرٍ كبير من الحرية، مثل أمريكاوإنجلترا والعديد من الدول الأوروبية. هذه البرامج لا تحد مطلقاً من حرية الأفراد في التعبير عن أفكارهم وآرائهم عبر شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن غرضها الأساسي المتابعة والملاحقة للعناصر التي تهدد الأمن القومي. كما أنها تحفظ خصوصية الأفراد وتحميها بشكلٍ كبير، لأنها تعمل علي الحد من عمليات القرصنة الإلكترونية، وما يمارسه "الهاكرز" من ابتزاز مادي لمستخدمي الإنترنت، كما تدعّم هذه الفلاتر حقوق الملكية الفكرية للمصنفات الفنية والبرامج الالكترونية، لأن استخدامها يتيح إمكانية تجميد المواقع المتخصصة في سرقة الأعمال الفنية، ما ينعكس إيجاباً علي صناعة السينما والبرمجيات.
ماذا عن المشروعات الأخري التي أعددتها في إطار الأمن القومي الرقمي؟
- وضعت نظاماً إلكترونياً لإقامة أبراج "واي ماكس" للنقل الإلكتروني عن طريق الأقمار الاصطناعية، لمراقبة ورصد العمليات الإجرامية والإرهابية في الشوارع، وتحديد هويّة الجاني في أي مكان. وهو عبارة عن برج يحمل أجهزة مسح إلكتروني تعمل علي التقاط الصور بدقة شديدة عن طريق الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، بواسطة كاميرات ذكية تعمل بنظام النقل الإلكتروني الذكيITS وتكون مثبّتة أعلي هذه الأبراج. هذه الكاميرات تُصنَّع لدي العديد من الدول أشهرها كوريا واليابان، ومزوّدة بخاصية استشعار روائح المواد المتفجرة عن بعد، وتحديد موقعها ونوع المادة المتفجرة، وتعطي إشارات إلكترونية للجهات الأمنية والوزارات السيادية التي يفترض أن تزوّد بأجهزة استقبال وفق التصور المطروح للمشروع الذي عرضته علي جهاتٍ سيادية عدّة منها وزارة الدفاع وجهاز المخابرات العامة، لكن البدء في مشروع بهذا الحجم يحتاج إلي قرار من رئيس الجمهورية.
هل يقتصر استخدام هذه الأبراج علي المجال الأمني؟
- مجالات استخدام هذه الأبراج تتخطي ذلك بكثير، فيمكن مستقبلاً استخدامها لإتاحة خدمة الإنترنت للمواطنين في الشوارع والحدائق والميادين العامة بتقنية "واي فاي" مجاناً. قد تبدو هذه الفكرة للبعض خيالية وغير قابلة للتنفيذ، لكنها مطبّقة بالفعل في كثير من الدول الأوروبية. وحال اعتماد الفكرة يجب أن تُقام هذه الأبراج وتوزّع بأعداد كبيرة علي مناطق متفرقة، لتغطية جميع المحافظات، لأنها تؤسس شبكة فيما بينها وتتصل في النهاية بالكابل الرئيسي للإنترنت، فمدار البرج الواحد 30 ميلاً أي حوالي 38 كيلو متراً. هذا المشروع يمكن أن ينفذ خلال خمس سنوات، لكن تكلفته مازالت قيد الدراسة لدي الجهات المعنية.
هل تسمح حالة البنية التحتية لشبكات الإنترنت لدينا بإقامة هذه الأبراج الحديثة؟
- بالطبع لا تسمح. البنية التحتية الرقمية لكابلات الإنترنت لدينا قديمة ومتهالكة، وهذا ما دفعني إلي تقديم دراسة أخري لمشروع إحلالها واستبدالها بكابلات الألياف البصرية والضوئية، فشبكة الإنترنت تعتمد لدينا الآن علي الكابلات النحاسية غير المواكبة للتطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم كل لحظة في مجال الاتصالات ونظم المعلومات، غير ما تعانيه من مشكلات أولها التكلفة الاقتصادية العالية لاستيراد هذه الكابلات أو تصنيعها، ولأنها عبارة عن كبائن تُقام فوق سطح الأرض يسهل إتلافها وتفجيرها أو انتزاعها، ما يؤدي إلي تعرضها المستمر للسرقة كون النحاس الذي تُصنع منه يمثل قيمة لدي الخارجين عن القانون مما يكلف الدولة خسائر مادية هائلة. بعكس كابلات الألياف البصرية التي تتكون من حِزم إلكترونية تحتوي علي شعيرات بلاستيكية مضيئة. هذه الكابلات تكلفتها منخفضة، وغير قابلة للإتلاف أو السرقة لأنها توضع في مسارات عميقة تحت الأرض. غير الطفرة التي ستحدثها في جودة وكفاءة خدمات الانترنت، فسرعة الإنترنت باستخدام الألياف البصرية تصل إلي 32 ميجا بايت، والأهم أن هذه الكابلات تعد الأساس الذي ستقوم عليه أبراج "واي ماكس". ومن خلال هذا المشروع أسعي لإنشاء كابل بديل للإنترنت المصري، بدلاً من اعتمادنا الكامل علي الكابل الأمريكي الممتد من صحراء نيفادا بالولاياتالمتحدة والذي يصل إلينا عن طريق البحر المتوسط.
ما الأفكار التي يمكن اتباعها في مجال الاستثمار الالكتروني؟
- لا يمكن لنا الحديث عن التنمية وبناء المستقبل دون أن نعمل علي اللحاق بالتطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم في الاستثمار الالكتروني. في هذا المجال عرضت إقامة أول محرك بحث الكتروني مصري علي غرار "جوجل"، لوضع قواعد بيانات ومعلومات كاملة عن كل ما يتعلق بالدولة المصرية، يتضمن المواقع والمزارات السياحية التي يهتم بها العالم، وبيانات جميع المؤسسات والهيئات الاقتصادية المصرية، ما يجعل مستخدمي الإنترنت في الخارج والداخل يتجهون لاستخدام هذا المحرك مما سيدر دخلا طائلاً للدولة. كما يمكننا استغلال الإعلانات الالكترونية من خلال تدشين أول موقع مصري لمشاركة مقاطع الفيديو، الذي يمكن أن يجذب أعداداً كبيرة من المستثمرين والرعاة. وأنادي بإنشاء مدينة متكاملة للتجارة الالكترونية علي غرار مدينة الإنترنت التي أنشئت في دبي. لأن العالم الافتراضي سيصبح قريباً المتحكم في كل شيء. يجب أن نستثمر حجم مستخدمي الإنترنت في مصر والذين تقدر أعدادهم بنحو 37 مليون مستخدم.