«إخوان الصفا».. جذور الجماعة بين الفلسفة والعقيدة الباطنية

هم جماعة من فلاسفة المسلمين، من أهل القرن الثالث الهجري والعاشر الميلادي بالبصرة، اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة، فى ذلك العهد فكتبوا خمسين مقالة سموها «تحف إخوان الصفا»، وهنالك كتاب آخر ألفه الحكيم المجريطي القرطبي المتوفى سنة 395هـ وضعه على نمط تحفة إخوان الصفا وسماه «رسائل إخوان الصفا». وتنتمي «جماعة إخوان الصفا» فى معظم أفكارها إلى فرقة «الإسماعيلية» الباطنية فى البصرة، بالعراق فى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وكانت اهتمامات هذه الجماعة متنوعة، وتمتد من الرياضيات إلى الفلك والسياسة وكتبوا فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها حتى فى الأندلس، ويعتبر البعض هذه الرسائل بمثابة موسوعة للعلوم الفلسفية، كان الهدف المعلن من هذه الحركة «التضافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس»، ومن الأسماء المشهورة فى هذه الحركة «أبوسليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبوالحسن علي ابن هارون الزنجاني»، كما وصل عنهم أنهم أشخاص عديدون، من مختلف الفئات والطبقات، دون تحديد أسماء لهم، فيقولون فى الرسالة الثامنة والأربعين « إن لنا إخوانا وأصدقاء من كل كرام الناس، وفضلائهم، متفرقين فى البلاد، فمنهم طائفة من أولاد الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتّاب، ومنهم طائفة من أولاد الأشراف والدهاقين والتجار، ومنهم طائفة من أولاد العلماء، والأدباء والفقهاء وحملة الدين، ومنهم طائفة من أولاد الصناع والمتصرفين وأمناء الناس» (رسائل إخوان الصفاء 4165). كما أن إخوان الصفا لا يحددون عدد أعضاء جماعتهم، وإذا كانت هناك خلافات كثيرة حول ماهية «إخوان الصفا» وعددهم وقيادتهم من خلال رسائلهم، فلا نملك وثائق تؤكد وجودهم وهويتهم إلا رسائلهم وما قاله عنهم أبوحيان التوحيدي فى الإمتاع والمؤانسة، إن عبدالله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي، وكان مهتما بالفلسفة ومجالس الفلاسفة وتولى الوزارة عام (372هـ)، سأل أبا حيان التوحيدي بقوله « إني لا أزال أسمع من زيد بن رفاعة قولًا ومذهبًا لا عهد لي به، وكناية عما لا أحقه وإشارة إلى مالا يتوضح شيء منه، فما حديثه؟ وما شأنه؟ وما دخلته؟..إلخ» فيجيب أبوحيان التوحيدي «أيها الوزير هو الذي تعرفه قبلي قديما وحديثا بالتربية والاختيار والاستخدام، وله منك الإخوة القديمة، والنسبة المعروفة، قال: دع هذا، وصفه لي، قلت: هناك ذكاء غالب، وذهن وقاد، ويقظة حاضرة وسوانح متناحرة، ومتسع فى فنون النظم والنثر، مع الكتابة البارعة فى الحساب والبلاغة، وحفظ أيام الناس، وسماع للمقالات، وتبصر فى الآراء والديانات، وتصرف فى كل فن، إما بالشدو الموهم، وإما بالتبصر المفهم، وإما بالتناهي المفحم، فقال: فعلى هذا ما مذهبه؟ قلت: لا ينسب إلى شيء، ولا يعرف برهط، لجيشانه بكل شيء وغليانه فى كل باب، ولاختلاف ما يبدو من بسطة تبيانه، وسطوة لسانه. وقد أقام بالبصرة زمانًا طويلًا، وصادف بها جماعة جامعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة، منهم أبوسليمان محمد بن معشر البستي، ويعرف بالمقدسي، وأبوالحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبوأحمد المهرجاني، والعوقي وغيرهم، فصحبهم وخدمهم، وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله، والمصير إلى جنته وذلك أنهم قالوا: إن الشريعة قد دُنست بالجهالات. يذكر التاريخ أن هناك خمسة من كبار إخوان الصفاء وأشهرهم هم: زيد بن رفاعة لقد أبدى التوحيدي شديد إعجابه به، ووصفه بمديح الصفات، قلما تتوفر فى شخص واحد، ولكن رجال الأحاديث كانت لهم آراء مختلفة حول الرجل وما يهمنا فى هذا المقام أن زيد بن رفاعة كانت له كتب منها: كتاب «جوامع إصلاح المنطق لابن السكيت»، وكتاب «الأمثال» الذي طبع فى حيدر آباد أبوسليمان محمد بن معشر البستي، ويعرف بالمقدسي، وهكذا ذكره التوحيدي، وكذلك الشهرزوري والبيهقي وقد وضعه الشهرستاني بين فلاسفة الإسلام من طبقة الكندي والفارابي. أبوالحسن علي بن هارون الزنجاني هناك بعض الاختلاف فى اسم والده، ونسبته، ففى بعض النسخ من الإمتاع والمؤانسة جاء «الريحاني» بدل الزنجاني. أبو أحمد المهرجاني يعتبر من كبار «اخوان الصفا»، الذين دعوا لنشر هذا الفكر، فى جميع الأقطار الإسلامية، مما جعله محاربا من علماء الدين. العوقي يعتبر العوقى من رجال الصف الأول فى جماعة «إخوان الصفا» وحاول كثيرا، التقريب بين المفهوم الذى تتبعه الجماعة والأطياف الأخرى ولكن ذلك لم يحدث بسبب ميل أهل الصفا إلى التفكير العقلي أكثر من النقلي. مكان وتأسيس إخوان الصفاء لا نجد فى «رسائل إخوان الصفا» ما يدل صريحًا على تحديد مقر هذه الجماعة ومكان تأسيس جمعيتهم، غير كلام أبي حيان التوحيدي، بقوله: إنها نشأت فى البصرة، فقد جاء فى كلامه عن زيد بن رفاعة أنه «أقام بالبصرة زمانًا طويلًا، وصادف هذه الجماعة» وهذا ليس بغريب على البصرة، فهي بحكم موقعها الجغرافي، كانت ملتقى رجال الشرق من العرب والفرس والهنود والزرادشتين والنصارى واليهود والدهريين والصابئة، فمنذ تأسيسها أيام عمر بن الخطاب باتت أكبر ملتقى لمختلف الفروع الثقافية، ليس هذا فقط بل كانت أيضًا متحررة نوعا ما من قيود السلطة وعيونها، نظرًا لبعدها عن مركز الخلافة، ورقابتها الشديدة المباشرة. النظام داخل الجماعة درجات إخوان الصفا من خلال دراسة تنظيم هذه الجماعة فى رسائلهم تجد أن للعمر دوره فى التسلسل الهرمي داخل تنظيمهم، حيث إن عمر الإنسان عبارة عن مراحل، ولكل مرحلة متطلباتها وقابلياتها لذلك فقد حددوا لكل مرحلة ما يتفق وطبيعتها، وعلى الأخ أن يبدأ بالمرحلة الأولى، فإذا نجح فيرتقي إلى الثانية، وهكذا إلى الأخيرة، ومراتب جمعيتهم أربع: المرتبة الأولى: وهي خاصة بالأعضاء المبتدئين الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثلاثين ويسمونهم «الإخوان الأبرار الرحماء» و«هي مرتبة ذوي الصنايع» وهي تمثل قاعدة التنظيم. المرتبة الثانية: وهي خاصة بالأعضاء الذين أكملوا الثلاثين إلى الأربعين، ويسمونهم «الإخوان الأخيار الفضلاء» وهي مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، ويتلقون فى هذه المرحلة الفلسفة. المرتبة الثالثة: خاصة بالأعضاء الذين أتموا الأربعين إلى الخمسين ويسمونهم «الإخوان الفضلاء الكرام» وهؤلاء هم «أصحاب الرأي والنهي» يحلون المشاكل والخلافات التي تظهر بين الإخوان باللطف وحسن التصرف والإدارة. المرتبة الرابعة: خاصة بالأعضاء الذين أكملوا الخمسين من العمر، وهم الذين «يشاهدون الحق عيانا» وهي مرتبة الحكماء، وكل الإخوان مدعوون إلى هذه المرتبة، وهي أعلى المراتب فى نظرهم، ومن يصل اليها يكون من «الواصلين» حسب التعبير الصوفي. الدعوة كان إخوان الصفا حريصين على نشر دعوتهم بين الشباب دون الشيوخ لقناعتهم بأن نفوس الشباب مثل ورق أبيض نقي لم يكتب عليه شيء، فتستقر الدعوة فى نفوسهم وتتمكن.. فينبغي لك أيها الأخ ألا تشغل بإصلاح المشايخ الهرمة الذين اعتقدوا من الصبا آراء فاسدة، وعادات رديئة، وأخلاقا وحشية، فإنهم يتبعونك ثم لا ينصلحون، وإن صلحوا قليلا فلا يفلحون، ولكن عليك بالشباب السالمي الصدور، الراغبين فى الآداب، المبتدئين بالنظر فى العلوم، إذ يكون بذلك خلق جيلًا جديدًا لا يعرف الهوى والجدل، غير متعصب على المذهب، ويستدل الإخوان لوجهة نظرهم هذه، بأن الله تعالى ما بعث نبيًا إلا وهو شاب، ولا أعطى لعبد حكمة إلا وهو شاب، كما ذكرهم ومدحهم فقال عز وجل «إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى». الاتصال وبعد ذلك يأتي دور الاتصال المباشر ومفاتحة الشخص، فإن لكل طائفة أو طبقة «داعية» أو «منظم» أعد إعدادًا خاصًا لهذا الأمر، فإن كان الشخص المراد ضمه إلى الجماعة من الولاة وكبار موظفي الدولة، فعلى الداعي أن يفاتحه فى الأمر بعد أن يتفرغ ذلك الشخص من أعماله اليومية، وأن يكون فى حالة نفسية مرضية، وأن تكون المفاتحة فى خلوة. وإذا استجاب الرجل لدعوة الإخوان، ووافق على الدخول فى صفوف هذه الجماعة، وتعهد بالمطلوب، يحضر المجلس ويقرأ خطبة الجماعة، ويخاطب إخوان الصفاء كل طائفة بما تقبله قلوبهم، وتحتمله عقولهم، وتتسع له نفوسهم فإذا كان المدعو ملكًا أو سلطانًا فلابد أن يأخذوه من حيث يسهل أخذه، فالملك والسلطان يحب أن تتسع رقعة مملكته، ويضم إليها بلاد أخرى. يستخدم الإخوان الأسلوب الإقناعي فى أول الأمر، ثم يستخدمون القوة فى بث الدعوة فى المراحل الأخيرة، وأن هذه الطريقة أقرها الأنبياء، فكانوا فى بدء دعوتهم يذكرون الناس ما قد نسوه من أمر الأخرة والمعاد، وتنبيههم من نوم الجهالة. الخلايا يبدو أن إخوان الصفا كانوا يأخذون بنظام الخلايا المعروف لدى الأحزاب المعاصرة، حيث يلتقي أعضاء كل خلية بصورة دورية بإشراف مسئول الخلية ويتداولون الأوضاع العامة، ويدرسون التوجيهات الصادرة، والرسائل والتوضيحات الواردة اليهم من الجهة الأعلى رتبة من الخلية. والاجتماع الدوري هو دليل الالتزام التنظيمي، فالإخوان أينما كانوا لابد أن يقوموا بهذا الواجب «ينبغي لإخواننا أيدهم الله حيث كانوا فى البلاد أن يكون لهم مجلس يجتمعون فيه فى أوقات معلومة، لا يداخلهم فيه غيرهم، يتذاكرون فيه علومهم، ويتحاورون فيه أسرارهم». رسائل إخوان الصفا «رسائل إخوان الصفا» موسوعة ضخمة اشتملت على أغلب فنون الثقافة المعروفة فى عصرهم، وتشتمل على اثنتين وخمسين رسالة «فى فنون العلم وغرائب الحكم وطرائف الأدب، وحقائق المعاني عن كلام الخلصاء الصوفية».. وهي مقسومة على أربعة أقسام، فمنها رياضية تعليمية، ومنها جسمانية طبيعية، ومنها نفسانية عقلية، ومنها ناموسية إلهية وعلى ذلك نجد أن تبويب الرسائل جاء وفق تقسيمهم الفلسفة: الرياضيات، الطبيعيات، الإلهيات، إذ النفسانية العقلية والناموسية (الشرعية) الإلهية تندرجان تحت الإلهيات. منهج الرسائل يقول إخوان الصفا عن رسائلهم:عملنا هذه الرسائل وأوجزنا القول فيها شبه المدخل والمقدمات، لكيما يقرب على المتعلمين فهمها، ويسهل على المبتدئين النظر فيها، كما يقولون فى رسالتهم الأخيرة «إننا نحب لإخواننا ما يكون به صلاح شأنهم ولما كان ذلك أكثر أغراضنا منهم، بسطنا لهم هذا الكتاب، وأوردنا فيه معرفة مبادئ الأعمال، والصنايع العلمية، والعملية، بحسب ما قدرنا عليه بتوفيق الله، والذي حملنا على ذلك هو أننا لم نقتصر على علم واحد، وصناعة واحدة، لأننا علمنا اختلاف طبائع الناس وجواهرهم، وما يشتاق كل واحد منهم اليه بما يوافق طبيعته.. فجعلنا فى رسائلنا هذه من مبادئ الصنائع والمعارف والعلوم ما يكون معينا للمبتدئ، ورياضة للمتعلم». «لغة الرسائل» يقول طه حسين فى مقدمته للرسائل: إن لرسائل إخوان الصفا قيمتها الفنية الخالصة، فهي من حيث أنها تتجه إلى جمهرة الناس للتعليم والتثقيف، قد عدل فيها عن العسر الفلسفي إلى اليسر الأدبي، وعني كتابها بألفاظها وأساليبها عناية أدبية خالصة، ففيها خيال كثير، وفيها تشبيه متقن، وفيها ألفاظ متخيرة، ومعان ميسرة، وليس من الغلو أن يقال: إنها قاربت المثل الأعلى فى تذليل اللغة العربية وتيسيرها لقبول ألوان العلم على اختلافها، وجملة القول: إن هذه الرسائل كنز لم يقدر بعد، لأنه لم يعرف بعد. الرمزية فى الرسائل تحتوي رسائل إخوان الصفا على كثير من القصص، ذات المغزى الأخلاقي والنقد السياسي، وترد أغلب هذه القصص على لسان الحيوانات، لأن ذلك «أبلغ فى المواعظ وأبين فى الخطاب، وأعجب فى الحكايات»، كما أنهم وجدوا فى هذا اللون من التعبير حماية لأنفسهم فى حملتهم على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وكما يقول ديبور: فقد قالوا على ألسنة الحيوان ما لو خرج من فم إنسان لأثار حوله الشكوك ويقول جولدتسيهر: إن إخوان الصفاء وجدوا تحت غطاء التعبير فى الوصف القصصي صورا لحقائق أبعد سموًا، يستسيغ الناس إدراكها بمقدار فهمهم، فهذا النوع من الأسلوب من أصلح الأساليب فى مخاطبة الجميع، بحيث يفهم منه كل حسب مستواه المعرفي. الرسالة الجامعة يشير إخوان الصفا فى مواطن كثيرة من رسائلهم إلى رسالة أخرى غير تلك الرسائل، يسمونها «الرسالة الجامعة» ويصفونها بأنها جامعة «لما فى هذه الرسائل المتقدمة كلها، والمشتملة على حقائقها، والغرض منها إيضاح حقائق ما أشرنا إليه، ونبهنا فى هذه الرسائل عليه، أشد الإيضاح والبيان، يأتي على ما فيها فيتبين حقائقها ومعانيها، ملخصة مستوفاة مهذبة، ببراهين هندسية يقينية، ودلائل فلسفية حقيقية، وبيانات علمية، وحجج عقلية، وقضايا منطقية، والرسالة الجامعة من رسائلنا هي منتهى الغرض لما قدمناه، وأقصى المدى ونهاية القصد، وغاية المراد»، وبناء على هذا النص الواضح الخطوط، فإن منهج إخوان الصفا فى الرسالة الجامعة يختلف عن منهجهم فى بقية الرسائل، فالرسالة الجامعة ألفت لمن تثقفوا بالرسائل أو بكتب مماثلة، أي أخذوا قسطا وافرا من تلك المعارف السائدة فى عصرهم وارتفعوا إلى مرتبة أعلى من المرتبة الأولى التي خاطبت الرسائل أصحابها. موقف علماء ألسنة والجماعة من علماء الصفا الإمام الغزالي وجه أبوحامد الغزالي نقدا لإخوان الصفا وطعن فى أفكارهم ومذهبهم، وبما أن الإخوان سبقوا الغزالي فى الفترة الزمنية، فإن بعض الباحثين اعتقد أن الغزالي تأثر بآراء الإخوان التعليمية مع علمهم بالاختلاف الكبير بين فلسفة الإخوان والغزالي ولنوضح هنا مدى تأثر الامام الغزالي بأفكار واطروحات اخوان الصفاء التعليمية. إن من يقرأ رسائل إخوان الصفا ومؤلفات الغزالي يجد تشابها كبيرا فى كثير من الآراء التي تتعلق بالتعليم، فشابه تقسيم الإخوان للعلوم الفلسفية التقسيم الذي قدمه الغزالي فى المنقذ وتشابهوا فى تأكيد اقتران العلم بالعمل، واشترطوا على أن يكون القصد من العلم طلب الآخرة لا الدنيا ومغرياتها الزائلة. فضلا عن ربطهم العلم بالأخلاق وقدموا شروطا يجب على المعلم التزامها وأخرى يجب على المتعلم التزامها. فضلا عن تأكيدهم ضرورة التوسع فى العلوم والمعرفة هذا التوسع الذي يجب أن يكون بشكل تدريجي مراعاة لمستوى عقول المتعلمين. 1 ـ العلوم الفلسفية قسم إخوان الصفا العلوم الفلسفية إلى خمسة أقسام وهي العلوم الرياضية والعلوم المنطقية والعلوم الطبيعية والعلوم الإلهية والعلوم السياسية، فأما الرياضية تشمل علم العدد والحساب والهندسة وعلم النجوم والعلوم المنطقية، وتشمل صناعة الشعر وصناعة الخطب وصناعة الجدل وصناعة البرهان وصناعة المغالطين، أما العلوم الطبيعية فتشمل علم المبادئ الجسمانية أي معرفة « الهيولي، والصورة والزمان، والمكان، والحركة، وتشمل هذه العلوم أيضا علم السماء والعالم الذي يبحث فى جواهر الكواكب والأفلاك ـ وعلم الكون والفساد الذي يهتم بمعرفة الأركان الأربعة (النار والهواء والماء والأرض)، وعلم حوادث الجو» فضلا عن علم المعادن وعلم النبات وعلم الحيوان. أما عن العلوم الإلهية فقد جعلوها غايتهم القصوى والغرض الأساسي من وراء دراستهم للعلوم، أما الغزالي فأكد هذا الموضوع، فى «إحياء علوم الدين» يقول (إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا فى نفسه فيكون مطلوبا لذاته، ووجدته وسيلة إلى دار الآخرة وسعادتها وذريعة إلى التقرب من الله تعالى ولا يتوصل إليه إلا به، وأعظم الأشياء رتبة فى حق الآدمي السعادة الأبدية، وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها ولن يتوصل إلى العمل إلا بالعلم بكيفية العمل، فأصل السعادة فى الدنيا والآخرة هو العلم فهو أفضل الأعمال)، أما عن أهمية العلم الإلهي عند الغزالي فنجدها فى حديثه عن تفاضل العلوم ـ فأفضلية العلم وشرفه تتحدد عنده بثمرته أو وثاقة دليله وبما أن العلوم الالهية كالعلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله تمتاز بقيمة ثمرتها ووثاقة دليلها فهي أشرف العلوم، فإخوان الصفا والغزالي اكدوا موضوع اقتران العلم بالعمل فهم قد تشابهوا فى هذا الموضوع مثلما حدث التشابه فى تقسيمهم للعلوم الفلسفية. ما يجب على المعلم التزامه أعطى إخوان الصفا والغزالي للمعلم مكانة كبيرة وبالغوا فى تعظيم المعلم، فوصفوه بأنه خليفة الله فى أرضه، وهذا الوصف نجده فى حديث إخوان الصفاء عن الإنسان المطلق بوصفه معلما للإنسانية وخليفة الله فـي أرضـه، وهذا نص قولهم (واعلم يا أخـي أيدك الله بروح منه بأن هذا الإنسـان الذي قلنا هـو خليفة الله وهو مطبوع على قبول جميع الأخلاق وجميع العلوم الإنسانية والصنائع الحكمية، وهو موجود فى كل وقت وزمان ومع كل شخص من أشخاص البشر تظهر منه أفعالـه وعلومـه وأخلاقه. وهكذا فكرة نجدها عند الغزالي فى قوله (والمعلم متصرف فى قلوب البشر ونفوسهم واشرف موجود على الأرض جنس الإنس واشرف جزء من جواهر الإنسان قلبه، والمعلم مشتغل بتكميله وتجميله وتطهيره وسياقته الى القرب من الله عز وجل، فتعلم العلم من وجه عبادة الله تعالى ومن وجه خلافة الله تعالى وهو من أجل خلافة الله، فإن الله قد فتح على قلب العالم العلم الذي أخص صفاته، فهو كالخازن لأنفس خزائنه ثم هو مأذون له فى الإنفاق منه على كل محتاج إليه فأي رتبة أجل من كون العبد واسطة بين ربة سبحانه وتعالى وبين خلقه). فضلا عن ذلك فقد أكد الإخوان والغزالي على دور المعلم كأب روحي للمتعلم، حيث فضلوه على الأب الحقيقي وحجتهم فى ذلك أن الأب منح ولده صورة جسد آنية، فكان سببا فى وجود هذا الجسد فى الدنيا ودوره هو إصلاح حال هذا الجسد فى هذه الدار التي هي دار فناء، أما المعلم فيعطي المتعلم صورة روحانية من خلال تغذية نفس المتعلم بالعلوم والمعارف التي تهديـة إلى طريـق الآخرة، وأكدوا أيضا على ضرورة التعاون بين المتعلمين والمعلم على أمور الدين والدنيا، وهذا التعاون لا يتم ما لم يكن غرضهم طلب الآخرة، فقال إخوان الصفاء (لأن إخوان الصدق هم الأعوان على أمور الدين والدنيا جميعًا وهم أعز من الكبريت الأحمر)، وقال الغزالي فى هذا الموضوع: (وكما أن حق أبناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا على المقاصد كلها، فكذلك حـق تلامـذة الرجـل الواحـد التحـاب والتوادد، ولا يكون إلا كذلك ان كـان قصدهم الآخرة)، فإخوان الصفا والغزالي أكدوا على دور المعلم وبشكل بارز وتشابهوا فى هذا الموضوع. ابن تيمية و«إخوان الصفا» عن إخوان الصفا يقول ابن تيمية: همجماعة فى دولة بني بويه ببغداد، وكانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة، جمعوا بزعمهم بين دين الصابئة المبدلين، وبين الحنيفية، وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة، وفيه من الكفر والجهل شيء كثير. (مجموع الفتاوى لابن تيمية، ج4، 79). ويشير ابن «تيمية» فى كتاباته إلى أن إخوان الصفا اتجهوا للأمور العقلية دون الاحتكام كثيرا إلى الشرع والدين، مما جعلهم مخالفين للإسلام وشريعته الغراء، وعلى ذلك هم كانوا للابتداع أقرب، خاصة أن منهجهم خالف العقيدة الصحيحة للمسلمين. موقف الأزهر من «إخوان الصفا» امتدح الأزهر الشريف جماعة إخوان الصفا عندما أجاز رسالة الدكتوراه لـ«فؤاد معصوم» رئيس العراق، الذي تناول فيها إخوان الصفا، وتكوينهم وعصرهم وفلسفاتهم وغايتهم فى رسالة معنونة«إخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم»، وقد تناول الشيخ أحمد حسن الباقوري قضية إخوان الصفا فى كتابه «إخوان الصفاء ودورهم فى التفكير الإسلامي» حيث يتتبع مراحل تطورهم وإسهامهم لتطوير وتقدم الفكر الإسلامي وانحيازهم للعقلانية واهتمامهم بمعظم معارف عصرهم. ومازال هناك جدل دائر فى الأوساط العلمية حول إخوان الصفا وانتمائهم حتى الآن، فهناك من اتهمهم بالانحراف عن الشريعة، وهناك من اتهمهم بأنهم فرقة إسماعيلية وآخرون رفعوا من شأنهم إلى ريادتهم للتنوير العربي أمثال د. محمود إسماعيل، صاحب كتاب «إخوان الصفا.. رواد التنوير فى الفكر العربي».